قوله "من يقل علي" أصله يقول ثم جزم بالشرط، وقوله "ما لم أقل" أي: شيئًا لم أقله، فحذف العائد، وهو جائز، وذكر القول لأنه الأكثر، وحكم الفعل كذلك لاشتراكهما في علة الامتناع، وقد دخل الفعل في عموم حديث الزبير وأنس السابقين، لتعبيرهما بلفظ الكذب عليه وكذلك حديث أبي هريرة الآتى بعد هذا فلا فرق في ذلك بين أن يقول: قال رسول الله كذا أو فعل كذا، إذا لم يكن قاله أو فعله. وقد تمسك بظاهر هذا اللفظ من منع الرواية بالمعنى، وأجاب المجيزون عنه بأن المراد النهي عن الإِتيان بلفظ يوجب تغيير الحكم مع أن الإِتيان باللفظ لا شك في أولويته.
وقوله "فليتبوأ مقعده من النار" يعني لما فيه من الجرأة على الشريعة، وعلى صاحبها عليه الصلاة والسلام، فإن قيل: الكذب معصية إلاَّ ما استثنى في الاصلاح وغيره، والمعاصي قد توعد عليها بالنار، فما الذي امتاز به الكذب عليه صلى الله تعالى عليه وسلم من الوعيد على من كذب على غيره؟ فالجواب عنه من وجهين أحدهما هو أن الكذب عليه كبيرة، والكذب على غيره صغيرة، فافترقا. ولا يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه، أو كذب على غيره، أن يكون مقرهما واحدًا، أو طول إقامتهما سواء. فقد دل قوله عليه الصلاة والسلام "فليتبوأ" على طول الإقامة فيها بل ظاهرة أنه لا يخرج منها،