قال الزين بن المنير: وجه استدلاله لذلك بأحاديث الباب أن صدقة التطور لمّا لم ينقص أجرها بوقوعها موقع الصدقة والصلة معًا، كانت صدقة الواجب كذلك، لكن لا يلزم من جواز صدقة التطوع على مَنْ تلزم المرء نفقته، أن تكون الصدقة الواجبةكذلك، واعترضه الإسماعيليّ بأن الذي في الأحاديث التي ذكرها مطلق الصدقة لا الصدقة الواجبة، فلا يتم استدلاله، إلا إن أراد الاستدلال على أن الأقارب في الزكاة أحق بها، إذ رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- صرفَ الصدقة المتطوع بها إلى الأقارب أفضل، فذلك حينئذ له وجه.
وقال ابن رشيد: قد يؤخذ ما اختاره المصنف من حديث أبي طلحة فيما فهمه من الآية، وذلك أن النفقة في قوله:{حَتَّى تُنْفِقُوا} أعم من أن يكون واجبًا أو مندوبًا، فعمل بها أبو طلحة في فرد من أفراده، فيجوز أن يعمل بها في بقية مفرداته، ولا يعارضها قولُه تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الآية، لأنها تدل على حصر الصدقة الواجبة في المذكورين، وأما صنيع أبي طلحة فيدل على تقديم ذوي القربى إذا اتصفوا من صفات أهل الصدقة على غيرهم، وسيأتي قريبًا تحرير من تدفع له الصدقة الواجبة من الأقارب.
ثم قال: وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "له أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة" هذا طرف من حديث فيه قصة لامرأة ابن مسعود يأتي موصولًا بعد ثلاثة أبواب. وقوله:"له أجر القرابة" أي: صلة الرحم، وأجر منفعة الصدقة، واستدل بهذا الحديث على جواز دفع المرأة زكاتها إلى زوجها، وهو قول الشافعي والثَّوريّ وصاحبي أبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن مالك، وعن أحمد كذا أطلق بعضهم، ورواية المنع عنه مقيدة بالوارث. وعبارة الجوزقيّ:"ولا لمن تلزمه" مؤنثهُ، قال ابن قُدامة: والأظهر الجواز مطلقًا إلا للأبوين والولد. وحملوا الصدقة في الحديث على الواجبة، لقولها:"أتجزىء عني؟ " وبه جزم المازري، وتعقبه عياض بأنّ قوله في الحديث الآتي:"ولو من حُلِيّكن" وكون صدقتها كانت من صناعتها، يدلان على التطوع، وبه جزم النّوويّ. وتأولوا تجزىء عني أي في الوقاية من النار، كأنها خافت أن صدقتها على زوجها لا تحصل لها المقصود.
وذهب الحسن البصريّ والثَّوريّ وأبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية عنهما، وأبو بكر من الحنابلة إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تعطي زوجها من زكاة مالها، والاحتجاج بالحلي إنما يكون حجة عند مَنْ لا يوجب فيه الزكاة، وأما مَنْ يوجب فلا، ويأتي الكلام عليه عند حديث أبي سعيد، واحتج