وأجاب المازري بأنه أراد استدراجه بفعل ما يجهله مرات لاحتمال أن يكون فعله ناسيًا أو غافلًا فيتذكره فيفعله من غير تعليم وليس ذلك من باب التقرير على الخطأ، بل من باب تحقق الخطأ. وقال النووي نحوه قال، وإنما لم يعلمه أولًا ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره بصفة الصلاة المجزئة. وقال ابن الجوزي: يحتمل أن يكون ترديده لتفخيم الأمر وتعظيمه عليه، ورأى أن الوقت لم يفته، فرأى إيقاظ الفطنة للمتروك، وقال ابن دقيق العيد: ليس التقرير بدليل على الجواز مطلقًا، بل لابد من انتفاء الموانع، ولا شك أن في زيادة قبول المتعلم لما يلقى إليه بعد تكرار فعله واستجماع نفسه وتوجه سؤاله مصلحة مانعة من وجوب المبادرة إلى التعليم لاسيما مع عدم خوف الفوات إما بناء على ظاهر الحال أو بوحي خاص.
وقال التوربشتي: إنما سكت عن تعليمه أولًا لأنه لما رجع لم يستكشف الحال من مورد الوحي وكأنه اغتر بما عنده من العلم فسكت عن تعليمه زجرًا له وتأديبًا وإرشادًا إلى استكشاف ما استبهم عليه، فلما طلب كشف الحال من مورده أرشد إليه. لكن فيه مناقشة لأنه إن تم له في الصلاة الثانية والثالثة لم يتم له في الأولى؛ لأنه عليه الصلاة والسلام بدأه لما جاء أول مرة بقوله: ارجع فصل فإنك لم تصل فالسؤال وارد على تقريره له في الصلاة الأولى كيف لم ينكر عليه في أثنائها لكن الجواب يصلح بيانًا للحكمة في تأخير البيان بعد ذلك وفيه حجة على من أجاز القراءة بالفارسية يكون ما ليس بلسان العرب لا يسمى قرآنًا قاله عياض.
قال العيني: هذا مبني على أن القرآن اسم للنظم، والمعنى جميعًا، وقيل إنه اسم للمعنى فقط بدليل قوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} ولم يكن القرآن في زبر الأولين بلسان العرب. قلت: الأول هو ما درج عليه أهل الأصول من كون القرآن لفظًا منزلًا على النبي -صلى الله عليه وسلم- للإعجاز به وللتعبد به، فالقول الثاني ساقط لا عبرة به، وفيه أن المفتي إذا سئل عن شيء، وكان هناك شيء آخر يحتاج إليه السائل يستحب له أن يذكره له، وإن لم يسأله عنه، ويكون ذلك منه نصيحة وزيادة خير له من الكلام فيما لا معنى له. وموضع الدلالة منه قوله: علّمني أي: الصلاة، فعلمه الصلاة ومقدماتها.
رجاله ستة: وفيه ذكر رجل مبهم، وقد مرَّ الجميع إلا أبا سعيد، مرّ محمد بن بشار في الحادي عشر من العلم، ومرّ يحيى القطان في السادس من الإيمان، ومرّ سعيد المقبري في الثاني والثلاثين منه، ومرّ أبو هريرة في الثاني منه، ومرَّ عبيد الله بن عمر العمري في الرابع عشر من الوضوء والرجل المبهم هو خلّاد بن رافع الأنصاري كما بيّنه ابن أبي شيبة، وقد مرَّ في الحادي عشر من التيمم، وأما أبو سعيد فهو كيسان المقبري صاحب العباء مولى أم شريك، ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل المدينة.