والقائلون بالإباحة المطلقة قالوا: إن المعنى في النهي أن العهد بإباحة الخمر كان قريبًا، فلما اشتهر التحريم أُبيح لهم الانتباذ في كل وعاء، بشرط ترك شرب المسكر، وذهب مالك إلى كراهة الانتباذ في الدُّباء والمزفَّت كراهة تنزيه، وإباحة ما سواهما، هذا مشهور مذهبه، واستدل بما أخرجه في "الموطأ" عن عبد الله بن عمر "نهى أن يُنبذ في الدُّبّاء والمزَفّت" وعن أبي هُريرة مثله، وحملوا النهي على التنزيه للأحاديث الواردة في الترخيص مطلقًا، جمعًا بين الأدلة.
وجمع القائلون بالإباحة المطلقة بأنه لما وقع النهي عامًّا، شكوا إليه الحاجه، فرخص لهم في ظروف الأدم، ثم شكوا إليه أن كلهم لا يجد ذلك، فرخص دهم في الظروف كلها.
وقال الشافعي والثوري وابن حبيب من المالكية: يكره ذلك ولا يحرم.
وذهب جماعة إلى أن النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية باق، منهم: ابن عمر، وابن عباس، وروي عن ابن عباس أنه قال:"لا يُشرب نبيذ الجر ولو كان أحلى من العسل" كما مر، وأسند النهي عن جماعة من الصحابة.
قلت: لعل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه منهم، لما أخرجه الطبري عنه من قوله: لأن أشرب من قمقم محمي، فيحرق ما أَحْرَق، ويُبقي ما أبقَى، أحب إلى عن أن أشرب نبيذ الجر.
قال الخطابي: وكأن من ذهب إلى استمرار النهي لم يبلغه الناسخ، هذا حاصل ما قيل في الانتباذ في الأوعية.
[رجاله أربعة]
الأول: عليّ بن الجَعْد بن عُبيد أبو الحسن الجَوْهَري البغدادي مولى بني هاشم.
قال موسى بن أبي داود: ما رأيت أحفظ من علي بن الجعد، كنا عند ابن أبي ذئب، فأملى علينا عشرين حديثًا، فحفظها وأملاها علينا.