وقوله:"ومنَّا من أهلَّ بعمرة، ومنا من أهلَّ بحجة وعمرة" أي: جمع بينهما، ولأبي ذر بحج وعمرة.
وقوله:"ومنا من أهل بالحج" أي: فقط، وكانوا أولًا لا يعرفون إلا الحج، فبين لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وجوه الإِحرام، وجوَّز لهم الاعتمار في أشهر الحج.
والحاصل من مجموع الأحاديث أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا ثلاثة أقسام: قسم أحرموا بحج وعمرة أو بحج ومعهم الهدي، وقسم بعمرة ففرغوا منها ثم أحرموا بالحج، وقسم بحج ولا هدي معهم، فأمرهم النبي-صلى الله عليه وسلم- أن يقبلوه عمرة وهو معنى فسخ الحج إلى العمرة، وأما عائشة رضي الله تعالى عنها، فكانت أهلَّت بعمرة، ولم تسق هديًا، ثم أدخلت عليها الحج.
وقوله:"أهلَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج" أي: مفردًا، ثم أدخل عليه العمرة، وقوله:"لم يحلوا حتى كان يوم النحر" كذا فيه، وسيأتي في حجة الوداع بلفظ: فلم يحلوا بزيادة فاء، وهو الوجه، وفي هذا الحديث جميع أنواع الحج من تمتع وقران وإفراد. وقد قال النووي: أجمع العلماء على جواز الأنواع الثلاثة: الإِفراد والتمتع والقِران، واختلفوا في أيها أفضل بحسب اختلافهم فيما فعله عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع.
ومذهب المالكية والشافعية أن الإِفراد أفضل لأنه -صلى الله عليه وسلم- اختاره أولًا، ولأن رواته أخص به -صلى الله عليه وسلم- في هذه الحجة، فإن منهم جابرًا وهو أحسنهم سياقًا لحجه عليه الصلاة والسلام، ومنهم ابن عمر، وقد قال: كنت تحت ناقته عليه الصلاة والسلام، يمسني لعابها، أسمعه يلبي بالحج، وعائشة وقربها منه عليه الصلاة والسلام، واطلاعها على باطن أمره وعلانيته، كله معروف مع فقهها، وابن عباس وهو بالمحل المعروف من الفقه والفهم الثاقب، ولأن الخلفاء