وقول الله تعالى:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} ثبتت البسملة للجميع، وذكر أبو ذر أبواب بلفظ الجمع، وللباقين باب بالإفراد، وقول الله بالجر عطف على المحصر وفي تفسير الإحصار اختلاف بين الصحابة وغيرهم، فقال كثير منهم: الإحصار من كل حابس حبس الحاج، من عدو ومن مرض وغير ذلك، حتى أفتى ابن مسعود رجلًا لدغ بأنه محصر، أخرجه ابن جرير عنه بإسناد صحيح، وبهذا قال عطاء بن أبي رباح، وإبراهيم النخعي والثوري، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، واحتج هؤلاء بحديث الحجاج بن عمرو الأنصاري، عند أحمد قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من كسر أو عرج فقد حل، وعليه حجة أخرى قال: فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة فقالا: صدق، وقد أخرجه الأربعة عن يحيى بن أبي كثير به، وفي رواية لأبي داود، وابن ماجه من عرج أو كسر أو مرض، فذكر معناه، وقال آخرون: وهم: الليث بن سعد ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق: لا يكون الإحصار إلاَّ بالعدو فقط، فالمحصر بالمرض لا يحل دون البيت، وسواء عند مالك شرط على نفسه عند إحرامه التحلل أو لم يشترط، وقال الشافعي: له شرطه، وإذا نحر هديه وتحلل ينصرف، ولا قضاء عليه إلاَّ أن يكون ضرورة فيحج الفريضة، ولا خلاف بين مالك والشافعي وأصحابهما في ذلك، وقال مالك: أهل مكة في ذلك كأهل الآفاق؛ لأن الإِحصار عنده في المكي: الحبس عن عرفة خاصة، قال: فإن احتاج المريض إلى دواء تداوى به، وافتدى وهو على إحرامه لا يحل من شيء، حتى يبرأ من مرضه، فإذا برأ من مرضه مضى إلى البيت، فطاف به سبعًا، وسعى بين الصفا والمروة، وحل من حجه أو عمرته، وإذا نحر المحصر هديه هل يحلق رأسه أم لا؟ فقال قوم: ليس عليه أن يحلق؛ لأنه قد ذهب عنه النسك كله، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقال آخرون: بل يحلق؛ فإن لم يحلق فلا شيء عليه، وهذا قول أبي يوسف، وقال آخرون: يحلق ويجب عليه ما يجب على الحاج والمعتمر، وهو قول مالك والشافعي، واحتج مالك والشافعي وموافقوهم على أن الإِحصار بالعدو خاصة؛ بما أخرجه عبد الرزاق والشافعي عن ابن عباس أنه قال: لا حصر إلاَّ من حبسه عدو فيحل بعمرة، وليس عليه حج ولا عمرة، وروى مالك في الموطأ والشافعي عنه عن ابن عمر قال: من حبس دون البيت بالمرض، فإنه لا يحل