قيل لمَّا كان هبوب الريح الشديدة يوجب التخوّف المفضي إلى الخشوع والإنابة، كانت الزَّلْزَلة ونحوها من الآيات أولى بذلك، لاسيما وقد نصَّ في الخبر على أنَّ أكثر الزّلازل من أشراط الساعة، وقال الزين بن المنير: وجه إدخال هذه الترجمة في أبواب الاستسقاء: أن وجود الزَّلزلة ونحوها يقع غالبًا مع نزول المطر، وتقدم لنزول المطر دعاء يخصه، فأراد المصنف أن يبيّن أنه لم يثبت عنده على شرطه في القول عند الزلازل ونحوها شيء، وهل يصلى عند وجودها. حكى فيه ابن المنذر الاختلاف، وبه قال أحمد وإسحاق وجماعة، وعلَّق الشافعي القول به على صحة الحديث عن علي أنه صلّى في زلزلة جماعة.
قال النووي: لم يصح ولو جمح قال أصحابنا محمول على الصلاة منفردًا لندب الصلاة عندها منفردًا لئلا يكون غافلًا. وقد حثَّ عمر على الصلاة عند الزلزلة. قال الحليمي: وصِفَتُها عند ابن عباس وعائشة كصلاة الكسوف ويحتمل أنْ لا يغير عن المعهود إلاَّ بتوقيف. قال الزركشي: وبهذا الاحتمال جزم ابن أبي الدنيا فقال: تكون كهيئة الصلوات، ولا تصلَّى على هيئة الخسوف قولًا واحدًا ويُسن الخروج إلى الصحراء وقت الزَّلزلة، قاله العبادي، ويقاس بها نحوها. وقد أخرج عبد الرزاق عن ابن عباس الصلاة عندها. وروى ابن حبان في صحيحه عن عائشة مرفوعًا:"صلاة الآيات ست ركعات وأربع سجدات". ويستحب لكل أحدٍ أن يتضرع بالدعاء عند الزلازل ونحوها كالصواعق، والريح الشديدة، والخسف لأن ظهور الزلازل والآيات وعيد من الله تعالى لأهل الأرض قال تعالى:{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}. والوعيد والتخويف بهذه الآيات إنّما يكون عند المجاهرة والإعلان بالمعاصي. ألا ترى أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حين زلزلت المدينة في زمنه قال:"يا أهل المدينة ما أَسرع ما أَحدثتم والله لئن عادت لأَخرجنَّ من بين اظهركم". فخشي أن تصيبه العقوبة معهم. كما قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال:"نعم، إذا كَثُر الخبث ويَبْعَثُ الله الصَّالحين على نِيّاتهم".
قلت: عند المالكية يكره السجود عند الزَّلزلة وتندب الصلاة عندها ولدفع البَلاء والطاعون فيُصَلَّون أفرَادًا أو جماعة إذا لم يجمعهم الإِمام أو يحملهم على ذلك، والذي يُظهر الوجوب إذا جمعهم الإمام على ذلك، وهل يصلون ركعتين أو أكثر، ذكر بعضهم عن اللخمي أنه تستحب ركعتان قال العدوي: ولم أره.