ترجم المؤلف بذكر القبر، وأورد الحديثين بذكر البيت؛ لأن القبر صار في البيت، وقد وقع في بعض طرقه بلفظ القبر، كما أخرجه البزّار بسندٍ رجالُه ثقاتٌ، عن سعد بن أبي وقُاص، والطبرانيّ عن ابن عمر، قال القرطبيّ: الرواية الصحيحة "بيتي" ويروى "قبري" وكأنه بالمعنى؛ لأنه دفن في بيتِ سكناه، فالمراد بالبيت في قوله:"بيتي أحد بيوته لا كلها، وهو بيت عائشة الذي صار فيه قبره، وقد ورد الحديث بلفظ "ما بين المنبر وبيت عائشة روضة من رياض الجنة" أخرجه الطبرانيّ في الأوسط، وعنده أيضًا عن سعد بن أبي وقّاص، رضي الله تعالى عنه "ما بين بيتي ومُصَلاَّي روضةٌ من رياض الجنة".
وقوله: "روضة من رياض الجنة" أي: كروضة من رياضها في نزول الرحمة، وحصول السعادة بما يحصل من ملازمة حَلَق الذكر، لاسيما في عهده صلى الله تعالى عليه وسلم، فيكون تشبيهًا بغير أداة، أو أن المعنى أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة، فيكون مجازًا باعتبار المآل، كقوله: "الجنة تحت ظلال السيوف" أي: الجهادُ مآلُه الجنة، أو هو على ظاهره، وأن المراد أنه روضة حقيقية بأن ينتقل ذلك الموضع بعينه في الآخرة إلى الجنة. هذا مُحَصَّل أقوال العلماء على هذا الحديث، وهي على ترتيبها هذا في القوة.
ونقل ابن زبالة أن ذَرْع ما بين المنبر والبيت الذي فيه القبر الشريف الآن ثلاث وخمسون ذراعًا، وقيل أربع وخمسون وسدس، وقيل خمسون إلا ثلثي ذراع، وهو الآن كذلك، فكأنه نَقَص لِمَا أُدْخِل من الحجرة في الجدار، واستدل به على أنَّ المدينة أفضل من مكة؛ لأنه أثبت أن الأرض التي بين البيت والمنبر من الجنة. وقد قال في الحديث الآخر: "لقاب قوس أحدكم في الجنة خير