قلت: العيني لم يتأمل اعتراضه، إذ كيف يصح أن يبقى المقيّد على تقييده، وتكون الكراهة عامّة. فإن التقييد منافٍ لعموم الكراهة، فمع اعتباره لا يصح عموم الكراهة. وقوله: ليُنْتَهَيَنَّ بضم الياء وسكون النون وفتح التاء المثناة والهاء والياء وتشديد نون التوكيد على البناء للمجهول في رواية الحموي والمستملي وللباقين بفتح أوله وضم الهاء على البناء للفاعل.
وقوله: أو لتخطفنّ أبصارهم، ولمسلم عن جابر بن سمرة: أو لا ترجع إليهم يعني: أبصارهم، وكلمة أو هنا للتخيير تهديدًا نظير قوله تعالى:{تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} أي: يكون أحد الأمرين: إمّا المقاتلة، وإمّا الإِسلام. فهو خبر في معنى الأمر أي: ليكونن منكم انتهاء عن رفع البصر أو تخطف الأبصار عند الرفع من الله تعالى.
واختلف في المراد بذلك فقيل: هو وعيد. وعلى هذا فالفعل المذكور حرام. وأفرط ابن حزم فقال: يبطل الصلاة.
وقد مرَّ لك الإجماع على كراهته في الصلاة وقيل: المعنى أنه يخشى على الأبصار من الأنوار التي تنزل بها الملائكة على المصلّين كما في حديث أسيد بن حضير الآتي في فضائل القرآن إن شاء الله تعالى. أشار إلى ذلك الداودي ونحوه في جامع حمّاد بن سلمة عن أبي مِجْلَز أحد التابعين.
وأمّا تغميض العينين: ففي مشهور مذهب مالك أنه مكروه إلا لخوف نظر محرّم أو ما يشغله عنها. وقال النووي: المختار أنه لا يكره إذا لم يخف ضررًا لأنه يجمع الخشوع ويمنع من إرسال البصر وتفريق الذهن. وقال الطحاوي: كرهه أصحابنا.
[رجاله خمسة]
قد مرّوا: مرّ عليّ بن المديني في الرابع عشر من العلم، ومرَّ سعيد بن أبي عروبة في الحادي والعشرين من الغسل، ومرّ يحيى القطّان، وقتادة وأنس في السادس من الإيمان.
[لطائف إسناده]
فيه التحديث بالجمع والإفراد والقول، ورواته كلّهم بصريّون. أخرجه أبو داود والنَّسائي وابن ماجه في الصلاة.
ثم قال المصنف:
[باب الالتفات في الصلاة]
لم يبيّن المؤلّف حكمه. لكن الحديث الذي أورده دالّ على الكراهة وهو إجماع، لكن الجمهور: على أنّها للتنزيه إلى آخر ما مرّ عند حديث سهل بن سعد في باب من دخل ليؤمّ النّاس .. الخ.