قوله:"اغتسلوا يوم الجمعة وإن لم تكونوا جنبًا" معناه اغتسلوا يوم الجمعة إن كنتم جنبًا للجنابة وإن لم تكونوا جنبًا للجمعة. ولفظ الجُنب يستوي فيه المذكر والمؤنث والجمع؛ ولذلك وقع خبرًا لقوله:"وإن لم تكونوا جنبًا" وأخذ منه أن الاغتسال يوم الجمعة للجنابة يجزىء عن الجمعة سواء نوى الجمعة أم لا، وفي الاستدلال به على ذلك نظر، نعم روى ابن حِبّان عن الزهري:"اغتسلوا يوم الجمعة إلا أن تكونوا جنبًا". وهذا أوضح في الدلالة على المطلوب، لكن روايه شعيب عن الزهري أصح.
قال ابن المنذر: حفظنا الإجزاء عن أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين والخلاف في هذه المسألة منتشر في المذاهب. قلت: مذهب مالك كما مرّ أنه إن نوى الجنابة والجمعة أو نوى نيابة الجنابة عن الجمعة حصلا، وإن نسي الجنابة أو قصد نيابة عنها انتفيا.
وقوله:"واغسلوا رؤوسكم هو من عطف الخاص على العام للتنبيه على أن المطلوب الغُسل التام؛ لئلا يظن أن إفاضة الماء دون حل الشعر مثلًا يجزىء في غسل الجمعة، وهو موافق لقوله في حديث أبي هريرة كغُسل الجنابة، ويحتمل أن يراد بالثاني المبالغة في التنظيف.
وقوله: "وأصيبوا من الطيب" ليس في هذه الرواية ذكر الدهن المترجم به، لكن لما كانت العادة تقتضي استعمال الدهن بعد غسل الرأس أشعر ذلك به. كذا وجهه الزين بن المنير جوابًا لقول الداودي ليس في الحديث دلالة على الترجمة، والذي يظهر أن البخاري أراد أن حديث طاووس عن ابن عباس واحد ذكر فيه إبراهيم بن ميسرة الدهن، ولم يذكره الزهري وزيادة الثقة الحافظ مقبولة، وكأنه أراد بإيراد حديث ابن عباس عقب حديث سلمان الإشارة إلى أن ما عند الغُسل من الطيب والدهن والسواك وغيرها ليس هو في التأكيد كالغسل وإن كان الترغيب ورد في الجميع، لكن الحكم يخالف إما بالوجوب عند مَنْ يقول به أو بتأكيد بعض المندوبات على بعض.
وقوله: "وأما الطيب فلا أدري" هذا يخالف ما رواه عبيد بن السباق عن ابن عباس مرفوعًا "مَنْ