النهي مقيد بالاتكال، فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك، وإذا زال القيد زال المُقيد، والاول أوجه، لكونه أَخَّر ذلك إلى وقت موته.
وقال القاضي عياض: لعل معاذًا لم يفهم النهي، لكن كثر عزمه عما عرض له من تبشيرهم. لكن الرواية الآتية في الجهاد صريحة في النهي حيث قال فيها "لاتبشرهم فيتكلوا" فالأولى ما تقدم.
وفي الحديث جواز ركوب اثنين على حمار، وفيه تواضع النبيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم، وفضل مُعاذ، وحسن أدبه في القول وفي العلم، برده لما لم يحط بحقيقته إلى علم الله ورسوله، وقرب منزلته من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، لخصوصيته له بما ذكر، وفيه تكرار الكلام لتأكيده وتفهيمه، واستفسار الشيخ تلميذه عن الحكم، ليختبر ما عنده، ويبين له ما يشكل عليه منه، واستئذانه في إشاعة ما يعلم به وحده.
قال ابن رجب في شرحه لأوائل البخاريّ: قال العلماء: يؤخذ من منع معاذ من تبشير الناس لئلا يتكلوا، أن أحاديث الرُّخص لا تشاع في عموم الناس لئلا يقصر فهمهم عن المراد بها. وقد سمعها معُاذ، فلم يزدد إلا اجتهادا في العمل، وخشية لله عَزَّ وَجَلَّ، فاما من لم يبلغ منزلته، فلا يؤمن أن يقصر اتكالا على ظاهر هذا الخبر. وقد عارضه ما تواتر من نصوص الكتاب والسنة أن بعض عصاة الموحدين يدخلون النار، فعلى هذا فيجب الجمع بين الأمرين بما مر.
رجاله ستة: الأول: إسحاق بن إبراهيم الشهير بابن راهويه، مرَّ تعريفه في الحديث الحادي والعشرين من كتاب العلم.
والثاني: معاذ بن هشام الدَّسْتوائي البَصريّ، سكن اليمن، ثم البصرة، روى عن أبيه وابن عَون وشُعبة وأشْعث بن عبد الملك. وخلق. وعنه أحمد وابن المدِيْني، وابن مَعين وعَفّان وخلق. كان من أصحاب الحديث الحُذّاق، وثقَّه يحيى بن مَعين في رواية عثمان الدارميّ، واعتمده