بحذف النون على النصب، وهو أوجه، لوقوع الفاء بعد النفي أو الاستفهام أو العرض، وهي تنصب في كل ذلك بتقدير أن بعدها، أي: فأَنْ يستبشروا.
وقوله:"إذا يتَّكلوا" بتشديد المثناة المفتوحة وكسر الكاف، وهو جواب وجزاء، أي: إنْ أخبرتهم يتكلوا. وللأصيلي والكشميهنيّ "ينْكلوا" بإسكان النون وضم الكاف، أي يمتنعوا من العمل اعتمادًا على ما يتبادر من ظاهره. وروى البزَّار بإسناد حسن عن أبي سعيد الخُدري، رضي الله تعالى عنه، في هذه القصة "أن النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم أذِنَ لمعْاذ في التبشير، فلقيه عمر فقال: لا تعجَلْ، ثم دخل، فقال: يا نبيّ الله أنت أفضل رأيًا، إن الناس إذا سمعوا ذلك اتكلوا عليها، قال: فرده" وهذا معدود من موافقات عمر، وفيه جواز الاجتهاد بحضرته صلى الله تعالى عليه وسلم، واستدل بعض متكلمي الأشاعرة من قوله "يتكلوا" على أن للعبد اختيارًا، كما سبق في علم الله. وقوله "عند موته" أي موت معُاذ، وأَغرْب الكرمانيُّ فقال: يحتمل أن يرجع الضمير إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
ويَرُدُّه ما رواه أحمد بإسناد صحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: أخبرني من شهد معاذًا حين حضرته الوفاة يقول: سمعت من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حديثًا لم يمنعني أنْ أُحَدّثكموه إلا مخافة أن تتكلوا، فذكره تأثُّمًا، بفتح الهمزة وتشديد المثلثة المضمومة، أي خشية الوقوع في الإثم إنْ كتم ما أمر الله بتبليغه، حيث قال:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ}[آل عمران: ١٨٧].
وقد مر توجيه "تأثما" في حديث بدء الوحي، عند قوله "يتحنث". فإن قيل: إن كان تَأَثَّم من الكتمان، فكيف لا يتأثم من مخالفة الرسول عليه الصلاة والسلام في التبشير؟ فالجواب أنه عرف أن النهي عن التبشير كان على التنزيه لا على التحريم، وإلا لما كان يخبر به أصلًا، أو عرف أن