وأراد بهذا التقرير رفع الإشكال عن ظاهر الخبر؛ لأنه يقتضي عدم دخول من شهد الشهادتين النار، لما فيه من التعميم والتأكيد.
وقد دلت الأدلة القطعية عند أهل السنة على أن طائفة من عصاة المؤمنين يعذبون ثم يخرجون من النار بالشفاعة، فعلم أن ظاهره غير مراد، فكأنه قال: إن ذلك مقيد بمن عمل الأعمال الصالحة. قال: ولأجل خفاء ذلك لم يؤذن لمعاذ في التبشير به.
وقد أجاب العلماء عن الإشكال بأجوبة أخرى منها: أن مطلقه مقيد بمن قالها تائبًا، ثم مات على ذلك، ومنها أن ذلك كان قبل نزول الفرائض، وفيه نظر؛ لأن مثل هذا الحديث وقع لأبي هريرة كما رواه مسلم، وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض، وكذا ورد نحوه من حديث أبي موسى، رواه أحمد بإسناد حسن. وكان قدومه في السّنة التي قدم فيها أبو هريرة. ومنها أنه خرج مخرج الغالب، إذ الغالب أن الموحِّد يعمل الطاعة، ويجتنب المعصية. ومنها أن ذلك ليس لكل من وحّد وعبد، بل يختص بمن أخلص، والإخلاص يقتضي تحقيق القلب بمعناها، ولا يتصور حصول التحقيق مع الإصرار على المعصية. لامتلاء القلب بمحبة الله وخشيته، فتنبعث الجوارح إلى الطاعة، وتنكف عن المعصية، وهذا الجواب هو المراد عند الطِّيبيّ، لكن هذا يوضحه. ومنها أن المراد بتحريمه تحريم خلوده فيها لا تحريم أصل دخوله فيها، ومنها أن المراد بتحريمه على النار حرمة جملته؛ لأن النار لا تأكل مواضع السجود من المسلم، كما ثبت في حديث الشفاعة، أن ذلك محرَّم عليها. وكذا لسانُه الناطق بالتوحيد. ومنها أن المراد: النار التي أُعدت للكافرين، لا الطبقة التي أُفردت لعصاة الموحدين.
وقوله "يا رسول الله، أفلا أُخبر الناس؟ " بهمزة الاستفهمام، وفاء العطف، والمعطوف محذوف تقديره: أقلت ذلك فلا أُخْبِر؟.
وقوله "فيستبشرون" بالرفع لأبي ذَرٍ أي: فهم يستبشرون، وللباقين