الشام، فيخرج الناس من المدينة إليها يبسون، والمدينة خير لهم، لو كانوا يعلمون، ويوضح ذلك ما روى أحمد عن جابر أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"ليأتين على أهل المدينة زمان، ينطلق الناس منها إلى الأرياف يلتمسون الرخاء، فيجدون رخاء ثم يأتون فيتحملون بأهليهم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وفي إسناده ابن لهيعة، ولا بأس به في المتابعات، وهو يوضح ما قلناه وروى أحمد في أول حديث سفيان هذا قصة أخرجها عن بشر بن سعيد أنه سمع في مجلس الليثيين يذكرون أن سفيان بن أبي زهير أخبرهم أن فرسه أعيت بالعقيق، وهو في بعث بعثهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجع إليه يستحمله، فخرج معه يبتغي له بعيرًا، فلم يجده إلا عند أبي جهم بن حذيفة العدوي فسامه له، فقال له أبو جهم: لا أبيعكه يا رسول الله، ولكن خذه فاحمل عليه من شئت، ثم خرج حتى إذا بلغ بيرا هاب قال: يوشك البنيان أن يأتي هذا المكان، ويوشك الشام أن يفتح، فيأتيه رجال من أهل هذا البلد فيعجبهم ريعه ورخاؤه، والمدينة خير لهم.
وقوله: "لو كانوا يعلمون" أي: بفضلها من الصلاة في المسجد النبوى، وثواب الإقامة فيها، وغير ذلك، ويحتمل أن تكون "لو" بمعنى ليت، فلا يحتاج إلى تقدير، وعلى الوجهين ففيه تجهيل لمن فارقها، وآثر غيرها قالوا: والمراد به، الخارجون من المدينة رغبة عنها، كارهين لها، وأما من خرج لحاجة، أو تجارة، أو جهاد، أو نحو ذلك فليس بداخل في معنى الحديث، قال الطيبي: الذي يقتضيه هذا المقام أن ينزل ما لا يعلمون منزلة اللازم، لتنتفي عنهم المعرفة بالكلية، ولو ذهب مع ذلك إلى التمني لكان أبلغ لأن التمني طلب ما لا يمكن حصوله، أي: ليتهم كانوا من أهل العلم تغليظًا وتشديدًا، وقال البيضاوي: المعنى أنه يفتح اليمن فيعجب قومًا يلادُها، وعيش أهلها، فيحملهم ذلك على المهاجرة إليها بأنفسهم. وأهليهم، حتى يخرجوا من المدينة، والحال أن الإقامة في المدينة خير لهم لأنها حرم الرسول، وجواره، ومهبط الوحي، ومنزل البركات؛ لو كانوا يعلمون ما في الإقامة بها من الفوائد الدينية، بالعوائد الأخروية التي يستحقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفانية العاجلة، بسبب الإقامة في غيرها، وقواه الطيبي لتنكير قوم، وصفهم بأنهم يبسون ثم توكيده بقوله: "لو كانوا يعلمون" لأنه يشعر بأنهم ممن ركن إلى الحظوظ البهيمية، والحطام الفاني، وأعرضوا عن الإقامة في جوار الرسول، ولذلك كرر قومًا، ووصفه في كل قرينة بقوله: "يبسون" استحضارًا لتلك الهيئة القبيحة.
[رجاله ستة]
مرّوا، إلا الأخير: مرت الأربعة الأول بهذا النسق في الثاني من بدء الوحي، ومرَّ ابن الزبير في الثاني والأربعين من العلم.