وقوله:"وابدأ بِمَنْ تعول" أي بمَنْ تجب عليك نفقته، يقال: عال الرجلُ أهلَه إذا مَأَنَهم، أي: قام بما يتحاجون إليه من قوت وكِسوة، وهو أمر بتقديم من يجب، وهو نفقة نفسه وعياله؛ لأنها منحصرة فيه، بخلاف نفقة غيرهم. وقال ابن المنذر: اختُلف في نفقة مَنْ بلغ من الأولاد، ولا مال له ولا كسب، فأوجبت طائفة النفقة لجميع الأولاد أطفالًا كانوا أو بالغين، إناثًا أو ذكورًا إذا لم تكن لهم أموال يستغنون بها. وذهب الجمهور إلى أن الواجب أن ينفق عليهم حتى يبلغ الذكر أو تتزوج الأنثى، ثم لا نفقة على الأب إلا إن كانوا زَمْنى، فإن كانت لهم أموال فلا وجوب على الأب. وألحق الشافعيّ ولد الولد، وإن سَفُل في ذلك.
[رجاله ستة]
قد مرّوا، مرَّ عبدان وعبد الله بن المبارك في السادس من بدء الوحي، ومرّ الزهريّ في الثالث منه، ويونس في متابعة بعد الرابع منه، ومرَّ ابن المُسَيَّب في التاسع عشر من الإيمان، وأبو هريرة في الثاني منه.
قوله:"اليد العليا خير من اليد السفلى" جاء في حديث ابن عمر الذي بعده، تفسيرُ العليا بأنها هي المنفِقة، والسفلى بأنها هي السائلة، والمنفِقة في أكثر الروايات، بالنون والقاف، من الإنفاق وفي بعض الروايات "المتعففة" بالعين وفاءين، من العفة، والأُولى هي الصحيحة، بل قيل: إن الأخيرة تصحيف، ويؤيدها حديث طارق المحاربيّ عند النَّسائيّ قال: قدمنا المدينة فإذا النبي -صلى الله عليه وسلم- قائمٌ على المنبر يخطب الناس، وهو يقول:"يد المعطي العُليا" ولابن أبي شيبة والبزار عن ثعلبة بن زهرم مثله، وللطبراني بإسناد صحيح عن حكيم بن حِزام مرفوعًا "يد الله فوق يد المعطي، ويد المعطي فوق يد المعطى، أو يد المعطى أسفل الأيدي".
وللطبرانيّ عن عدي الجُذاميّ، مرفوعًا، مثله، ولأبي داود وابن خُزيمة عن أبي الأحوص، مرفوعًا "الأيدي ثلاثة: فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى" فهذه الأحاديث متضافرة على أن اليد العليا هي المنفِقة المعطية، وأن السفلى هي السائلة، وهذا هو المعتمد، وهو قول الجمهور. وقيل: اليد السفلى الآخذة، سواءًا كان بسؤال أم بغير سؤال، وهذا أباه قومٌ، واستندوا إلى أن الصدقة تقع في يد الله قبل يد المتصدق عليه.
قال ابن العربيّ: التحقيق أن السفلى يد السائل، وأما يد الأخذ فلا؛ لأن يد الله هي المعطية،