للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخره الآية. وهو قوله: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} إلى قوله: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.

وقوله: "كمثل جنة" خبر لقوله: مَثَل الذين ينفقون أي: كمثل بستان بربوة، وهي عند الجمهور المكان المرتفع المستوي من الأرض، وزاد ابن عباس والضحاك "وتجري فيه الأنهار" وفي الربوة ثلاث لغات في ثلاث قراآت، بضم الراء، وبها قرأ عامة أهل المدينة والحجاز والعراق. وبفتحها وهي قراءة بعض أهل الشام والكوفة. وبكسر الراء، ويقال إنها قراءة ابن عباس، وإنما سميت بذلك لأنها رَبَت وغَلُظت، من قولهم: ربا الشيء يربوا إذا زاد وانتفخ، وإنما خصت الربوة لأن شجرها أزكى وأحسن ثمرًا.

وقوله: "أصابها وابل" أي: مطر عظيم القطر شديد، وهي في محل جر؛ لأنها صفة ربوة. وقوله: "فآتت أُكُلها ضعفين" أي: ثَمَرها مِثْلَيْ ما كانت تثمر بسبب الوابل. وقوله: "فإن لم يصبها" أي: تلك الجنة التي بالربوة، فطل، أي: فالذي يصيبها طل، وهو أضعف المطر. وقيل: هو المطر الدائم الصفار القطر، الذي لا يكاد تسيل منه المتاعب، أي: هذه الجنة بهذه الربوة، لا تمحل أبدًا؛ لأنها إن لم يصبها وابل فطل، أيًا ما كان، فهو كفايتها. وكذلك عمل المؤمن، لا يبور أبدًا، بل يتقبله الله منه، ويكثره وينميه لكل عامل بحسبه، ولذا قال: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي: لا يخفي عليه من أعمال عباده شيء.

وقوله: "وإلى قوله: {مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} " أي: قوله: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} إلى آخرها. قال ابن أبي حاتم: قال ابن عباس: ضرب الله مثلًا حسنًا، وكل أمثاله حسن، أيود أحدكم ... إلى آخره، وهو متصل بقوله تعالى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} وخص النخيل والأعناب بالذكر؛ لأنهما أكرم الشجر، وأكثره منافع. وتمام الآية: {وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ} إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} الواو في "وأصابه" للحال، والإعصار هو الريح التي تستدير في الأرض ثم تَسْطَع نحو السماء كالعمود. وهذا مثل لمن يعمل الأعمال الحسنة لا يبتغي بها وجه الله، فإذا كان يوم القيامة وجدها مُحْبَطة، فيتحسر عند ذلك حسرةَ من كانت عنده جنة من أبهى الجِنان، وأجمعها للثمار، فبلغ الكبر، وله أولاد ضعاف، والجنة معاشهم ومنفعتهم، فهلكت بالصاعقة.

وقوله: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ} يعني لما بين هذه الأمثال، لعلكم تتفكرون بهذه الأمثال، وتعتبرون بها، وتنزلونها على المراد منها، كما قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}.

[الحديث العشرون]

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>