بأن المتلفعة في النهار لا تعرف عينها، فلا تبقى في الكلام فائدة، وتعقب بأن المعرفة إنما تتعلق بالأعيان، فلو كان المراد الأول لعبر بنفي العلم، وما ذكره من أن المتلفعة بالنهار لا تعرف عينها فيه نظر؛ لأن لكل امرأة هيأة غير هيأة الأخرى في الغالب، ولو كان بدنها مغطى. وقال الباجيّ: هذا يدل على أنهن كن سافرات، إذ لو كن متنقبات لمنع تغطيةُ الوجه من معرفتهن لا الغَلَسُ، وفيه ما فيه؛ لأنه مبنيّ على الأشباه الذي أشار إليه النووي.
وأما إذا قلنا إن لكل واحدة هيأة غالبًا، فلا يلزم ما ذكر، ولا معارضة بين عدم المعرفة هنا وبين حديث أبي برزة الآتي في المواقيت "أنه كان ينصرف من الصلاة حين يعرف الرجل جليسه" لأن هذا إخبار عن رؤيته المتلفعة على بُعد، وذلك إخبار عن رؤية الجليس، واعترض استدلال المصنف بهذا الحديث على جواز صلاة المرأة في الثوب الواحد، بأن الالتفاع المذكور يحتمل أن يكون فوق ثياب أُخرى، والجواب عنه أنه تمسك بأن الأصل عدم الزيادة على ما ذكر، على أنه لم يصرح بشيء، إلا أن اختياره يؤخذ في العام؛ من الآثار التي يودعها في الترجمة.
وفي الحديث استحباب المبادرة بصلاة الصبح في أول الوقت، وجواز خروج النساء إلى المساجد لشهود الصلاة في الليل، ويؤخذ منه جوازه في النهار من باب أولى؛ لأن الليل مِظَنة الرِّيبة أكثر من النهار، ومحل ذلك إذا لم يخش عليهن أو بهن فتنة. واستدل به بعضهم على جواز صلاة المرأة مختمرة الأنف والفم، فكأنه جعل التلفع صفة لشهود الصلاة، وتعقبه عياض بأنها إنما أخبرت عن هيأة الانصراف.
[رجاله خمسة]
الأول: أبو اليمان.
والثاني: شعيب بن أبي حمزة، وقد مرا في السابع من بدء الوحي، ومرّ ابن شهاب في الثالث منه، ومرّ عُروة وعائشة في الثاني منه.