للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحديث الخامس والعشرون]

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.

قوله: "لإِحرامه" أي: لأجل إحرامه، وللنسائي: حين أراد أن يحرم، ولمسلم نحوه.

وقوله: "ولحله" أي: بعد أن يرمي ويحلق، واستدل بقولها: كنت أطيب، على أنَّ "كان" تقتضي التكرار لأنها لم يقع منها ذلك إلا مرة واحدة، وقد صرحت في رواية عروة عنها أن ذلك كان في حجة الوداع كما جاء في كتاب اللباس، كذا استدل به النووي، وتعقب بأن المدعى تكراره إنما هو التطيب لا الإِحرام، ولا مانع من أن يتكرر التطيب لأجل الإِحرام مع كون الإِحرام مرة واحدة، ولا يخفى ما فيه، وقال النووي في موضع آخر: المختار أنها لا تقتضي تكرارًا ولا استمرارًا، وكذا قال الفخر في "المحصول"، وجزم ابن الحاجب بأنها تقتضيه، قال: ولهذا استفدنا من قولهم: كان حاتم يقري الضيف أن ذلك كان يتكرر منه، وقال جماعة من المحققين أنها تقتضي التكرار ظهورًا، وقد تقع قرينة تدل على عدمه لكن يستفاد من سياقه لذلك المبالغة في إثبات ذلك، والمعنى أنها كانت تكرر فعل التطيب لو تكرر فعل الإِحرام لما أطلقت عليه من استحبابه لذلك على أن هذه اللفظة لم تتفق الرواة عنها عليها، وسيأتي للبخاري عنها بلفظ: طيبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسائر الطرق ليس فيها صيغة كان.

واستدل على استحباب التطيب عند إرادة الإِحرام، وجواز استدامته بعد الإِحرام، وأنه لا يضر بقاء لونه ورائحته، وإنما يحرم ابتداؤه في الإِحرام، وهذا هو قول الجمهور، وقال مالك ومحمد بن الحسن: يكره أن يتطيب قبل الإِحرام بما تبقى عينه بعده، ولا تجب الفدية عند مالك في الباقي بعد الإِحرام إلا إذا كان كثيرًا وتراخى في نزعه.

واحتج المالكية بأمور منها أنه عليه الصلاة والسلام اغتسل بعد أن تطيب لقوله في رواية ابن المنتشر المتقدمة في الغسل: ثم طاف بنسائه، ثم أصبح محرمًا، فإن المراد بالطواف الجماع، وكان من عادته أن يغتسل عند كل واحدة، ومن ضرورة ذلك أن لا يبقى للطيب أثر، ويرده قوله في الرواية الماضية أيضًا: ثم أصبح محرمًا ينضح طيبًا فهو ظاهر في أن نضح الطيب وهو ظهور رائحته كان في حال إحرامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>