أي: ما حكم صلاة الطواف حينئذ؟ وقد ذكر فيه آثارًا مختلفة، ويظهر من صنيعه أنه يختار فيه التوسعة، وكأنه أشار إلى ما رواه الشافعي وأصحاب السنن, وصححه الترمذي وابن خزيمة وغيرهما عن جبير بن مطعم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"يا بني عبد مناف! من ولي منكم من أمر الناس شيئًا فلا يمنعن أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار"، وإنما لم يخرجه لأنه ليس على شرطه، وقد أخرج المصنف أحاديث تتعلق بصلاة الطواف، ووجه تعلقها بالترجمة، أما من جهة أن الطواف صلاة فحكمها واحد، أو من جهة أن الطواف مستلزم للصلاة التي تشرع بعده، وهو أظهر، وأشار به إلى الخلاف المشهور في المسألة، قال ابن المنذر: رخص في الصلاة بعد الطواف في كل وقت جمهور الصحابة ومن بعدهم، وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق، ومنهم من كره ذلك أخذًا بعموم النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وهو قول عمر والثوري وطائفة، وذهب إليه أبو مالك وأبو حنيفة، وقال أبو الزبير: رأيت البيت يخلو بعد هاتين الصلاتين ما يطوف به أحد، وروى أحمد بإسناد حسن عن جابر، قال: كنا نطوف، فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة، ولم نكن نطوف بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس، قال: وسمعت رسول ال -صلى الله عليه وسلم- يقول:"تطلع الشمس بين قرني شيطان".
ثم قال: وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يصلي ركعتي الطواف ما لم تطلع الشمس، وصله سعيد بن منصور، عن عطاء أنهم صلوا الصبح بغلس، وطاف ابن عمر بعد الصبح سبعًا، ثم التفت إلى أفق السماء، فرأى أن عليه غلسًا، قال: فاتبعته حتى انظر أي شيء يصنع، فصلى ركعتين، قال: وحدثنا داود العطار عن عمرو بن دينار: رأيت ابن عمر طاف سبعًا بعد الفجر، وصلى ركعتين وراء المقام، هذا إسناد صحيح، وهذا جار على مذهب ابن عمر في اختصاص الكراهة بحال طلوع الشمس وحال غروبها، وقد تقدم ذلك عنه صريحًا في أبواب المواقيت، وروى الطحاوي عن مجاهد، قال: كان ابن عمر يطوف بعد العصر ويصلي ما كانت الشمس بيضاء نقية، فإذا اصفرّت وتغيرت طاف طوافًا واحدًا حتى