للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-صلى الله عليه وسلم- بعسل فقال: ما هذا؟ فقال: صدقة، فأمر برفعها، ولم يذكر عشورًا، لكن الإسناد الأول أقوى، إلا أنه محمول على أنه في مقابلة الحَمْي، كما يدل عليه كتاب عمر بن الخطاب.

وقال ابن المنذر ليس في العسل خبر يثبت، ولا إجماع، فلا زكاة فيه، وهو قول الجمهور، وعن أبي حنيفة وصاحبيه وأحمد وإسحاق: يجب العشر فيما أخذ من غير أرض الخراج، وما نقله عن الجمهور مقابله قول التِّرمذيّ بعد أن أخرج حديث ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "في العسل في كل عَشرة أزُقّ زق" العمل على هذا عند أكثر أهل العلم.

قال في الفتح: أشار شيخنا في شرحه إلى أن الذي نقله ابن المنذر أقوى، وتحقيق مذهب أبي حنيفة أنه يجب عنده في قليل العسل وكثيره، لأنه لا يشترط النصاب في العشر، وعن أبي يوسف: إذا بلغت قيمته خمسة أواق، وعنه أنه قدره بعشرة أرطال، وهي خمسة أَمْنَاء، وعنه أنه اعتبر فيه عَشْر قِرَب، وعن محمد ثلاث روإيات: إحداها خمس قرب، والقربة خمسون مَنًا، وقيل القربة مئة رطل، والثانية خمسة أَمْناء، والثالثة خمسُ أواق، وهي تسعون مَنًا، وتعليق عمر بن عبد العزيز هذا وصله مالك في الموطأ، وأخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق بإسناد صحيح، وعمر بن عبد العزيز مرَّ في أول الإيمان قبل ذكر حديث منه.

[الحديث الخامس والثمانون]

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَذَا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ لأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الأَوَّلِ يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ وَفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَبَيَّنَ فِي هَذَا وَوَقَّتَ، وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ، وَالْمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى الْمُبْهَمِ إِذَا رَوَاهُ أَهْلُ الثَّبَتِ.

وقوله: عَثَريًا، بفتح المهملة والمثلثة وكسر الراء وتشديد التحتانية، وحكى عن ابن الأعرابي تشديد المثلثة، وردّه ثعلب، وحكى ابن عديس في المثلث في ضم أوله وإسكان ثانيه. قال الخطابيّ هو الذي يشرب بعروقه من غير سَقي، زاد ابن قُدامة عن القاضي أبي يعلى، وهو المستنقع في بركة ونحوها، يصب إليه من ماء المطر في سوق تشق له. قال: واشتقاقه من العاثور، وهي الساقية التي يجري فيها الماء؛ لأن الماشي يعثر فيها.

قال: ومنه الذي يشرب بالأنهار بغير مؤنة، أو يشرب بعروقه، كان يغرس في أرض يكون الماء قريبًا، فيصل إليه عروق الشجر، فيستغني عن السقي، وهذا التفسير أوْلى من إطلاق أبي عبيد أنّ العَثَّريَّ ما سقته السماء، لأن سياق الحديث يدل على المغايرة، وكذا قول من فسر العثريّ بأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>