وأما مروره بعد ان نزل عنه، فيحتاج إلى نقل. وقال ابن عبد البر: حديث ابن عباس هذا يخصِّص حديث أبي سعيد "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمر بين يديه" فإن ذلك مخصوص بالِإمام والمنفرد، فأما المأموم فلا يضره من مر بين يديه، لحديث ابن عباس هذا.
قال: وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء، وكذا نقل عياض الاتفاق على أنَّ المأمومين يصلون إلى سترة، لكن اختلفوا هل سترتهم سترة الإمام، أم سترتهم الإمام نفسه؟ وفيه نظر لما رواه عبد الرزاق عن الحكم ابن عمرو الغفاريّ الصحابيّ "أنه صلى بأصحابه في سفر وبين يديه سترة، فمرت حمير بين يدي أصحابه فأعاد بهم الصلاة" وفي رواية له أنه قال لهم: إنها لم تقطع صلاتي ولكن قطعت صلاتكم، فهذا يعكر على ما نقل من الاتفاق، ويظهر أثر الخلاف الذي نقله عياض فيما لو مر بين يدي الإمام أحد، فعلى قول من يقول إن سترة الإِمام سترة من خلفه يضر صلاته وصلاتهم معا، وعلى قول من يقول إن الإمام نفسه سترة من خلفه، يضر صلاته ولا يضر صلاتهم.
رجاله خمسة: قد مروا كلهم، الأول إسماعيل بن أبي أُويس، مر في الخامس عشر من كتاب الإيمان, ومر الإِمام مالك في الثاني من بدء الوحي، وابن شهاب في الثالث منه أيضا، وعُبيد الله بن عبد الله في السادس منه أيضا وابن عباس في الخامس منه، أيضا.
لطائف إسناده: منها أن فيه التحديث بصيغة الجمع والإفراد، والعنعنة، ورواته كلهم مدنيون، وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ، أخرجه البخاريّ هنا وفي الصلاة أيضا عن القَعْبَنِيّ، وعبد الله بن يوسف، وفي الحج عن إسحاق، وفي المغازي عن الليث، ومسلم في الصلاة عن يحيى بن يحيى وغيره، وأبو داود فيها أيضا، عن عثمان بن أبي شيبة، والتِّرمذِيّ فيها أيضًا، عن أبي الشوارب، محمد بن المالك، والنسائي فيها عن محمد بن منصور، وفي العلم عن محمد بن مسْلَمة، وابن ماجة فى الصلاة عن هشام بن عمار.