حيث أنه لو كان كذلك لما وسع أبا هريرة كتمانه مع ما ذكره من الآية الدالة على ذم كتمان العلم، ولاسيما هذا الشأن الذي هو لُب ثمرة العلم، وأيضًا فإنه نفى بثه على العموم من غير تخصيص، فكيف يستدل به لذلك وأبو هريرة لم يكشف مستوره فيما علم؟ فمن أين علم أن الذي كتمه هو هذا؟ فمن ادعى ذلك فعليه البيان.
قال القَسْطلاني: فقد ظهر أن الاستدلال بذلك لطريق القوم، فيه ما فيه، على أنهم في غنية عن الاستدلال، إذ الشريعة ناطقة بأدلتهم، ومن تصفَّح الأخبار، وتتبع الآثار، مع التأمل والاستنارة بنور الله، ظهر له ما قلته. وفي الحديث جواز ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخوف على النفس، وقد مر بعض الكلام على ذلك عند قول أبي ذَرٍ "لو وضعتم الصَّمْصَامة على هذه" الخ في باب العلم قبل القول والعمل.
رجاله خمسة: الأول إسماعيل بن أبي أويس، مر تعريفه في الحديث الخامس عشر من كتاب الإيمان. الثاني: أخوه عبد الحميد بن عبد الله بن أُويس بن مالك بن أبي عامر الأصْبَحِيّ المدَنيّ الأعشى، أبو بكر بن أبي أويس. روى عن مالك عم جده الربيع بن مالك، وابن أبي ذيب، ومالك بن أنس، وابن عَجلان، وروى عنه أخوه إسماعيل وأيوب بن سليمان بن بلال، وإسحاق بن راهويه وخلق. قال عثمان الدارميّ عن ابن مَعين: ثقة. وقال الآخرون عن يحيى: ليس به بأس. وقال الآجرِيّ: قدمه أبو داود على إسماعيل تقديمًا شديدًا، وذكره ابن حِبّان في الثقات، وقال النَّسائي: ضعيف، وقال الحاكم عن الدارقطني: حجة. قال الأزْديّ في ضعفائه: أبو بكر الأعشى يضع الحديث، فكأنه ظن أنه آخر غير هذا، وقد بالغ أبو عمر بن عبد البر في الرد على الأزْديّ فقال: هذا رجم بالظن الفاسد، وكذب محض ... إلى آخر كلامه. احتج به الجماعة إلا ابن ماجه، وكان أكبر من أخيه إسماعيل.