وقوله:"إنّك أنت الغفورُ الرحيم" هما صفتان ذكرتا ختمًا للكلام على جهة المقابلة لما تقدم، فالغفور مقابل لقوله اغفر لي، والرحيم مقابل لقوله ارحمني وهي مقابلة مرتبة. وفي الحديث استحباب التعليم من العالم خصوصًا في الدعوات المطلوب فيها جوامع الكلم، وفيه الاعتراف بالتقصير ونسبة الظلم إلى نفسه، وفيه الاعتراف بأن الله تعالى هو المتفضل المعطي من عنده رحمة على عباده من غير مقابلة عمل حسن، ولم يصرح بتعيين محل الدعاء وقد مرّ في أول الباب.
[رجاله ستة]
قد مرّوا، مرّ قتيبة بن سعيد في الحادي والعشرين من الإِيمان, ومرّ يزيد بن أبي حبيب وأبو الخير في الخامس منه، ومرّ عبد الله بن عمرو بن العاص في الثالث منه، ومرّ الليث بن سعد في الثالث من بدء الوحي، ومرّ أبو بكر في باب "مَنْ لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق" بعد الحادي والسبعين من الوضوء.
[لطائف إسناده]
فيه التحديث بالجمع والعنعنة والقول ورجاله مصريون سوى طرفيه وفيه رواية تابعي عن تابعي وصحابي عن صحابي. أخرجه البخاري أيضًا في "الدعوات" عن عبد الله بن يوسف. ومسلم في "الدعوات" وكذا الترمِذِيّ وابن ماجه والنَّسائيّ في الصلاة وفي القنوت. ثم قال المصنف:
[باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب]
قوله:"وليس بواجب" يشير إلى أن الدعاء السابق في الباب الذي قبله لا يجب وإن كان قد ورد بصيغة الأمر لقوله في آخر حديث التشهد في هذا الباب، ثم ليتخير والمنفي وجوبه يحتمل أن يكون الدعاء أي: لا يجب دعاء مخصوص، وهذا واضح مطابق للحديث وإن كان التخيير مأمورًا به ويحتمل أن يكون المنفي التخيير ويحمل الأمر الوارد به على الندب ويحتاج إلى دليل. قال ابن رشيد: ليس التخيير في آحاد الشيء بدال على عدم وجوبه، فقد يكون أصل الشيء واجبًا ويقع التخيير في وصفه. وادعى بعضهم الإجماع على عدم الوجوب، وفيه نظر فقد أخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن طاووس ما يدل على أنه يرى وجوب الاستعاذة المأمور بها في حديث عائشة المذكور في الباب قبله، وذلك أنه سأل ابنه:"هل قالها بعد التشهد؟ فقال: لا، فأمره أن يعيد الصلاة". وبه قال بعض الظاهرية. وأفرط ابن حزم فقال بوجوبها في التشهد الأول أيضًا، وقال ابن المنذر لولا حديث ابن مسعود ثم ليختر من الدعاء لقلت بوجوبها.