وأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما. قول الله عَزَّ وَجَلَّ فاقبره اقبرت الرجل إذا جعلت له قبرًا وقبرته دفنته كفاتًا يكونون فيها أحياء ويدفنون فيها أمواتًا.
قال ابن رشيد: قال بعضهم: مراده بقوله: قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- المصدرُ من قَبَرْته قبرًا، والأظهر عندي أنه أراد الاسم، ومقصوده بيان صفته من كون مُسَنّمًا أو غير مُسَنم، وغير ذلك مما يتعلق بعضه ببعض، وفي دفنهما رضي الله تعالى عنهما، معه عليه الصلاة والسلام، فضيلة عظيمة لهما، خصهما الله تعالى بها، وكرامة حياهما بها، لم تحصل لأحد، ألا ترى وصية عائشة رضي الله تعالى عنها إلى ابن الزبير، أنه لا يدفنها معهم، خشيةَ أن تزكى بذلك، وهذا من تواضعها، وإقرارها بالحق لأهله، وإيثارها به على نفسها، ورأت عمر رضي الله تعالى عنه أهلًا، وأيضًا لقرب طينتها من طينته.
ففي حديث أبي سعيد: مرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جنازة عند قبر، فقال: مَنْ هذا؟ فقيل فلان الحبشيّ، فقال عليه الصلاة والسلام: لا إله إلا الله، سيق من أرضه وسمائه إلى تربته التي منها خُلق. قال الحاكم: صحيح الإِسناد، وإنما استأذنها عمر في ذلك، ورغب إليها في ذلك؛ لأن الموضع كان بيتها, ولها فيه حق، ولها أن تؤثر نفسها به، فآثرت به عمر رضي الله تعالى عنه، وقد كانت عائشة رضي الله تعالى عنها رأت رؤيا دلتها على ما فعلت، حين رأت ثلاثة أقمار سقطن في حجرتها، فقصتها على والدها لما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم-، ودفن ببيتها، فقال لها أبو بكر: هذا أول أقمارك، وهو خيرها.
وقوله: قول الله عَزَّ وَجَلَّ فأقبره، يريد تفسير الآية:{ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} أي: جعله ممن يقبر، لا ممن يلقى حتى تأكله الكلاب مثلًا. وقال أبو عبيد في المجاز: أقبره أمران يقبر. وقوله: أقبرتُ الرجلِ، إذا جعلت له قبرًا، وقبرته دفنته، قال يحيى الفرّاء في المعاني: يقال: أقبره، جعله مقبوراَ، وقبره دفنه. وقوله: كفاتًا ... إلخ، روى عبد بن حميد عن مجاهد قال في قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (٢٥) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} قال: يكونون فيها ما أرادوا. ثم يدفنون فيها، والكِفات من كفتُّ الشيء أكفته إذا جمعته وضممته، قاله الزجاج. وقال الفراء: نكفتهم أمواتًا في بطنها، أي: نحفظهم ونحرزهم، ونصب أحياءً بفعل دل عليه كفاتًا، أي: تكفت أحياءً وأمواتاَ.