والأولى أن المراد بالحرم ظاهره لقوله بعد ذلك حتى إذا جاء ذا طوى، فجعل غاية الإمساك الوصول إلى ذي طوى، والظاهر أن المراد بالإِمساك ترك تكرار التلبية ومواظبتها، ورفع الصوت بها الذي يفعل في أول الإِحرام لا ترك التلبية رأسًا، قاله في "الفتح"، وهو مخالف لمذهب مالك، وهذا الاحتمال في المراد بالحرم هو الموافق لما مرَّ عن مالك في باب الركوب والارتداف في الحج.
وقوله:"ذا طُوى" بضم الطاء وفتحها وضبطها الأصيلي بكسرها، وادٍ معروف بقرب مكة، ويعرف اليوم ببئر الزاهر، وهو مقصور منون، وقد لا ينون، ونقل الكرماني أن في بعض الروايات: حتى إذا حاذى طوى بحاء مهملة بغير همز وفتح الذال، قال: والأول هو الصحيح؛ لأن اسم الموضع ذو طوى لا طوى فقط.
وقوله:"وزعم" هو من إطلاق الزعم على القول الصحيح، ويأتي من رواية ابن علية عن أيوب بلفظ ويحدث.
رجاله خمسة قد مرُّوا:
مرّ أبو معمر عبد الله بن عمرو وعبد الوارث في السابع عشر من العلم، ومرّ أيوب في التاسع من الإِيمان، ومرّ محل نافع وابن عمر في الذي قبله. أ. هـ. وأتى البخاري بهذا الحديث تعليقًا، وقد وصله أبو نعيم في "المستخرج" من طريق عباس الدوري، عن أبي معمر، وقال: ذكره البخاري بلا رواية. أ. هـ. أخرجه مسلم. أ. هـ.
ثم قال: تابعه إسماعيل، عن أيوب في الغسل.
أي: وغيره لكن من غير مقصود الترجمة لأن هذه المتابعة وصلها المصنف كما سيأتي بعد أبواب عن ابن علية، ولم يقتصر على الغسل، بل ذكره كله إلا القصة الأولى، وأوله: كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية، والباقي مثله، ولهذه النكتة أورد المصنف طريق فليح عن نافع المقتصرة على القصة الأولى بزيادة ذكر الدهن الذي ليست له رائحة طيبة، ولم يقع في رواية فليح التصريح باستقبال القبلة لكنه من لازم التوجه إلى مكة في ذلك الموضع أن يستقبل القبلة، وقد صرح بالاستقبال في الرواية الأولى وهما حديث، وإنما احتاج إلى رواية فليح للنكتة التي بينتها، وبهذا التقرير يندفع اعتراض الإِسماعيلي عليه في إيراده حديث فليح وأنه ليس للاستقبال فيه ذكر، قال المهلب: استقبال القبلة بالتلبية هو المناسب لأنها إجابة لدعوة إبراهيم، ولأن المجيب لا يصلح له أن يولّي المجاب ظهره، بل يستقبله، قال: وإنما كان ابن عمر يدهن ليمنع بذلك القمل عن شعره، ويجتنب ماله رائحة طيبة صيانة