منه في أمره، وعثمان لم يحنق على أبي ذَرٍّ مع كونه كان مخالفًا له في تأويله. وفيه التحذير من الشقاق والخروج على الأئمة، والترغيب في الطاعة لأولي الأمر، وأمر الأفضل بطاعة المفضول خشية المفسدة، وجواز الاختلاف في الاجتهاد، والأخذ بالشدة في الأمر بالمعروف، وإنْ أدّى ذلك إلى فراق الوطن. وتقديم دفع المفسدة على جلب المصلحة؛ لأن في بقاء أبي ذَرٍّ بالمدينة مصلحة كبيرة من بث علمه في طالب العلم، ومع ذلك ترجح عند عثمان دفع ما يتوقع من المفسدة من الأخذ بمذهبه الشديد في هذه المسألة، ولم يأمره بعد ذلك بالرجوع عنه؛ لأن كلًا منهما كان مجتهدًا.
[رجاله خمسة]
وفيه ذكر عثمان ومعاوية، رضي الله تعالى عنهما، مرَّ هُشَيم في الثاني من التيمم، وحصين بن عبد الرحمن في الثالث والسبعين من مواقيت الصلاة، ومرّ زيد بن وهب في الثالث عشر منها، ومرّ أبو ذَرٍّ في الثالث والعشرين من الإيمان، ومرَّ عثمان في باب "ما يذكر في المناولة" بعد الخامس من العلم، ومرَّ معاوية في الثالث عشر منه. والباقي شيخ البخاريّ، ذكره بلفظ علي مبهمًا، واختلف فيه، قيل: هو عليّ بن المَدينيّ، وقد مرَّ في الرابع عشر من العلم. وقيل: عليّ بن أبي هاشم، وقيل: عليّ بن مُسْلِم.
والأول: علي بن أبي هاشم، واسم أبي هاشم عُبيد الله بن طِبْراخ، بكسر الطاء وسكون الباء الموحدة، قال أبو حاتم: ما عَلِمته إلاَّ صدوقًا، ترك الناس حديثَه لأنه يتوقف في القرآن. وقال الأزديّ: إنه ضعيف جدًا. وفي الزهرة روى عنه البخاريُّ أربعة. قال في المقدمة: إن الأزديّ لا يعتبر تجريحه لضعفه، وقد بين أبو حاتم السبب في توقف من توقف عنه، وليس ذلك بمانع من قبول روايته روى عن أبيه وهُشيم وحمّاد بن زيد وغيرهم. وروى عنه البخاريّ وأحمد بن الخليل القَوْمَسيّ، ويعقوب بن شَيبة وغيرهم.
والثاني: علي بن مسلم بن سعيد الطوسي أبو الحسن، نزيل بغداد. قال النَّسائيّ: ليس به بأس، وذكره ابن حِبّان في الثقات. وقال الدارقطنيّ: ثقة، وفي الزهرة روى عنه البخاريّ سبعة، روى عن هُشيم وابن المبارك وعبّاد بن العَوّام وغيرهم. وروى عنه البخاريّ وأبو داود والنَّسَائيّ ويحيى بن مُعين. ولد سنة ستين ومائة، ومات في جُمادى الآخرة سنة ثلاث وخمسين ومئتين.
[لطائف إسناده]
فيه التحديث والإخبار بالجمع والسماع والعنعنة والقول، وسنده بين بغداديّ ومدنيّ وواسطيّ وكوفيّ. وفيه رواية التابعيّ عن التابعيّ عن الصحابيّ. أخرجه البخاريّ أيضًا في التفسير، والنَّسائيّ فيه أيضًا.