يعطيه شعر ناصيته، فأعطاه إياه فكان مقدم ناصيته مناسبًا لفتح كل ما قدم عليه، وفيها أنه لا بأس باقتناء الشعر البائن من الحي وحفظه عنده، وأنه لا يجب دفنه كما قال بعضهم: إنه يجب دفن شعور بني آدم أو يستحب، وذكر الرافعي في سنن الحلق فقال: إذا حلق، فالمستحب أن يبدأ بالشق الأيمن ثم الأيسر، وأن يكون مستقبل القبلة، وأن يكبر بعد الفراغ، وأن يدفن شعره، وزاد المحب الطبري صلاة ركعتين بعده فهي إذًا خمسة، وفيها مواساة الإِمام والكبير لأصحابه، وأنه لا بأس بتفضيل بعضهم على بعض في القسمة لأمر اقتضى ذلك، يؤديه إليه اجتهاده، ولنرجع إلى إتمام الكلام على الحديث.
قوله:"قالوا: والمقصرين يا رسول الله" قال في الفتح: لم أقف في شيء من الطرق على الذي تولى السؤال بعد البحث الشديد عنه والواو في "والمقصرين" عاطفة على شيء مقدر تقديره قل "المقصرين" أو قل: وارحم المقصرين، وهو يسمى العطف التلقيني، وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: "والمقصرين" إعطاء المعطوف حكم المعطوف عليه، ولو تخلل السكوت لغير عذر.
وقوله:"والمقصرين" كذا في معظم الروايات عن مالك إعادة الدعاء للمحلقين مرتين، وعطف المقصرين عليهم في المرة الثالثة، وانفرد يحيى بن بكير دون رواة الموطأ بإعادة ذلك ثلاث مرات، نبّه عليه ابن عبد البر في التقصي، وأغفله في التمهيد، بل قال فيه: إنهم لم يختلفوا عن مالك في ذلك، قال في الفتح: إنه في موطأ يحيى بن بكير، كما قال في التقصي.
رجاله أربعة: مرَّ محلهم في الذي قبله بحديث.
أخرجه مسلم وأبو داود بهذا الإسناد.
ثم قال: وقال الليث: حدَّثني نافع: رحم الله المحلقين مرة أو مرتين، وصله مسلم ولفظه:"رحم الله المحلقين -مرة أو مرتين- قالوا: والمقصرين؟ قال: والمقصرين، والشك فيه من الليث، وإلا فأكثرهم موافق لما رواه مالك، ومرَّ الليث في الثالث من بدء الوحي، ونافع في الأخير من العلم.
ثم قال: وقال عبيد الله: حدَّثني نافع قال في الرابعة: والمقصرين.
عبيد الله بالتصغير وهو العمري وروايته وصلها مسلم عنه باللفظ الذي علقه البخاري وأخرجه أيضًا عن ابن نمير عنه بلفظ: رحم الله المحلقين، قالوا: والمقصرين؟ فذكر مثل رواية مالك سواء، وزاد: قال: "رحم الله المحلقين" قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: "والمقصرين".
وبيان كونها في الرابعة هو أن قوله: والمقصرين معطوف على مقدر تقديره: يرحم الله المحلقين، وإنما قال ذلك بعد أن دعا للمحلقين ثلاث مرات صريحًا، فيكون دعاؤه