ليفرقه، ولكن ظاهره أنه أخذه لنفسه، ويبدأ الحالق بيمين المحلوق وروى الكرماني عن أبي حنيفة أنه يبدأ بيمين الحالق ويسار المحلوق، والصحيح عنه الأول، ويدخل وقت الحلق من طلوع الفجر عند المالكية وعند الشافعية بنصف ليلة النحر، ولا آخر لوقته، والحلق بمنى يوم النحر أفضل، قالوا: ولو آخره حتى بلغ بلده حلق وأهدى، ولو وطيء قبل الحلق فعليه هدي، بخلاف الصيد على المشهور عندهم، وعند المالكية، وقال ابن قدامة: يجوز تأخيره إلى آخر أيام النحر، فإن آخره عن ذلك ففيه روايتان، ولا دَمَ عليه، وبه قال عطاء وأبو يوسف وأبو ثور، ويشبه مذهب الشافعي، لأن الله تعالى بيّن أول وقته بقوله تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} ولم يبين آخره، فمتى أتى به أجزأه، وعن أحمد عليه دم بتأخيره وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأنه نسك أخَّره عن محله، ولا فرق في التأخير بين القليل والكثير، والساهي والعامد، وقال مالك وإسحاق والثوري، وأبو حنيفة، ومحمد: من تركه حتى حل فعليه دم؛ لأنه نسك، فيأتي به في إحرام الحج كسائر مناسكه.
وفي حديث الباب من الفوائد أن التقصير يجزىء عن الحلق، وهو مجمع عليه إلا ما روي عن الحسن البصري أن الحلق يتعين في أول حجة، حكاه ابن المنذر بصيغة التمريض، وقد ثبت عن الحسن خلافه، وروى ابن أبي شيبة عن الحسن في الذي لم يحج قط، فإن شاء حلق، وإن شاء قصَّر، نعم روى ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال: إذا حج الرجل أول حجة حلق، فإن حج أخرى، فإن شاء حلق، وإن شاء قصّر، ثم روى عنه أنه قال: كانوا يحبون أن يحلقوا في أول حجة، وأول عمرة، وهذا يدل على أن ذلك للاستحباب، لا للزوم، وقد مرَّ حكم الملبّد في باب من لبّد رأسه.
وفي الحديث أيضًا مشروعية الدعاء لمن فعل ما شرع له، وتكرار الدعاء لمن فعل الراجح من الأمرين المخير فيهما، والتنبيه بالتكرار على الرجحان، وطلب الدعاء لمن فعل الجائز، وإن كان مرجوحًا، وفي هذه الأحاديث طهارة شعر الآدمي، وهو قول جمهور العلماء، وهو الصحيح من مذهب الشافعي، وخالف في ذلك أبو جعفر الترمذي منهم، فخصص الطهارة بشعره عليه الصلاة والسلام، وقال بنجاسة شعر غيره، وفيها التبرك بشعره عليه الصلاة والسلام، وغير ذلك من آثاره بأبي وأمي ونفسي هو، وقد روى أحمد في مسنده إلى ابن سيرين، عن عبيدة السلماني قال: لأن تكون لي شعرة منه أحب إلى من كل بيضاء وصفراء على وجه الأرض، وفي بطنها.
وأخرج البخاري هذا الحديث في باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان بلفظ أحب إليّ من الدنيا وما فيها. وروى غير واحد أن خالد بن الوليد كان في قلنسوته شعرات من شعره عليه الصلاة والسلام، فلذلك كان لا يقدم على وجه إلا فتح له، ويؤيد ذلك ما ذكره الملأ في سيرته أن خالدًا سأل أبا طلحة -حين فرق شعره عليه الصلاة والسلام بين الناس- أن