الوجوه. وفيه المشورة في نصب الإمام وتقديم الأفضل، وأن الإمامة تنعقد بالبيعة، وغير ذلك مما هو ظاهر بالتأمل.
وقال ابن بطال: فيه دليل على جواز تولية المفضول على الأفضل منه؛ لأن ذلك لو لم يجز لم يجعل الأمر شورى إلى ستة أنفس، مع علمه بأن بعضهم أفضل من بعض. قال: ويدل على ذلك قول أبي بكر: قد رضيت لكم أحد الرجلين: عمر وأبي عُبيدة، مع علمه بأنه أفضل منهما. قلت: الدليل الأول فيه أن عمر، وإن كان يعلم أن بعضهم أفضل من بعض، لا يعلم الأفضل بعينه. وعن الثاني بأن أبا بكر لفضله، يعتقد الفضل لغيره، ولا يعتقد لنفسه فضلًا، وقد استشكل جعل عمر الخلافة في ستة، ووكل ذلك إلى اجتهادهم، ولم يصنع ما صنع أبو بكر في اجتهاده فيه؛ لأنه إن كان لا يرى جواز ولاية المفضول على الفاضل، فصنيعه يدل على أن من عدا الستة كان عنده مفضولًا بالنسبة إليهم.
وإذا عرف ذلك لم يخف عليه أفضلية بعض الستة على بعض، وإن كان يرى جواز ولاية المفضول على الفاضل، فمن ولّاه منهم أو من غيرهم كان ممكنًا. والجواب عن الأول، ويدخل فيه الجواب عن الثاني هو أنه تعارض عنده صنيع النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث لم يصرح باستخلاف شخص بعينه، وصنيع أبي بكر حيث صرّح، فتلك طريق تجمع التنصيص وعدم التعيين، وإن شئت قلت تجمع الاستخلاف وترك تعيين الخليفة. وقد أشار إلى ذلك بقوله:"لا أتقلدها حيًا وميتًا" لأن الذي يقع ممن يستخلف بهذه الكيفية إنما ينسب إليه بطريق الإجمال، لا بطريق التفصيل، فعينهم ومكنهم من المشاورة في ذلك والمناظرة، لتقع ولاية مَنْ يتولى بعده باتفاق من معظم الموجودين حينئذ ببلده، الذي هو دار الهجرة، وبها معظم الصحابة، وكل مَنْ كان ساكنًا غيرهم في بلد غيرها، كان تبعًا لهم فيما يتفقون عليه.
قلت: الأوْلى عندي أن عمر علم فضل هؤلاء الستة على غيرهم، بكونه عليه الصلاة والسلام مات وهو عنهم راض بالنص على ذلك، ولم يعلم أيهم أفضل، فجعل الخلافة شورى بينهم، وترك النبي -صلى الله عليه وسلم- الخلافة اتكالًا منه على ما صرّح به من قوله -صلى الله عليه وسلم-، كما في الصحيح:"ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر".
وقد استوفينا أبحاث ما أشار إليه البخاري من هذا الحديث هنا، وبقي الكلام على موت عمر رضي الله تعالى عنه، وكيفيته وإيصائه على قضاء دينه.
[رجاله خمسة]
وفيه ذكر عمر وأم المؤمنين عائشة وعثمان وعليًا وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص، وفيه لفظ شاب مبهم، وقد مرَّ الجميع، مرَّ قتيبة في الحادي والعشرين من الإيمان, ومرّ جرير بن عبد الحميد في الثاني عشر من العلم، ومرَّ حصين بن عبد الرحمن في الثالث والسبعين