وجه التسوية بينهما أنه ربما ظهر من كل منهما حرفان، وهما أقل ما يتألف منه الكلام، وأشار المصنف إلى أن بعض ذلك يجوز، وبعضه لا يجوز، فيحتمل أنه يرى التفرقة بين ما إذا حصل من كل منهما كلام مفهوم أو لا، أو الفرق ما إذا كان حصول ذلك محققًا وإلّا فلا، وقال العينيّ: لا دلالة في الترجمة على ذلك، وإنما تدل على أن كل واحد منهما جائز، والظاهر عندي ما قاله صاحب "الفتح" فإن "من" في قوله: "ما يجوز من البصاق" دالةٌ على التبعيض.
ثم قال: ويذكر عن عبد الله بن عمر "ونفخ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في سجوده في كسوف" هذا طرف من حديث أخرجه أحمد، وصححه ابن خُزَيمة والطّبريّ، وابن حِبّان عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله ابن عمرو، قال: كَسَفِت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقام وقمنا معه، الحديث بطوله. وفيه:"وجعل ينفخ في الأرض ويبكي وهو ساجد" وذلك في الركعة الثانية، وإنما ذكره البخاريّ بصيغة التمريض؛ لأن ابن السائب مختلف في الاحتجاج به، وقد اختلط في آخر عمره، لكنه أخرجه ابن خزيمة عن سفيان الثوري عنه، وهو ممن سمع منه قبل اختلاطه، وأبوه وَثَّقه العجليّ وابن حبان، وليس هو من شرط البخاريّ. قال ابن بطال: رُوي عن مالك كراهة النفخ في الصلاة، ولا يقطعها كما يقطعها الكلام، وهو قول أبي يوسف وأشْهَب وأحمد وإسحاق. وفي المدونة "النفخ بمنزلة الكلام، ويقطع الصلاة".
قلت: مشهور مذهبه أن النفخ اليسير إذا لم يفعله عبثًا لا يُفسد، سواء كان بحرف أو لا. ولابن قَدّاح: إنْ نطق فيه بألف وفاء أبطل الصلاة، لا من الأنف مطلقًا، والنَّفْث، وهو ريح كالنفخ بغير بصاق، أو هو بصاق بلا صوت، فإن كان فعله للحاجة فلا ضرر فيه، كان بصوت أو بغيره، وإن كان لغير حاجة أفسدَ الصلاةَ عَمْدُه، وسجد لسهوه، هذا إذا كان بصوت، وإن كان بغير صوت فهو مكروه، وكذلك التنحنح، إذا كان لحاجة لا ضرر فيه، وإن كان لغير حاجة، فقيل: كالكلام يُفَرّق بين عَمْده يُبطل، وسهوه يسجد له. وقيل: لا يبطل الصلاة مطلقًا، وهو المختار.
والحاجة المنفية، قيل: المراد بها حاجة تتعلق بالصلاة، فلابد أن يكون على غير وجه العبث، وقيل: عدم الحاجة مطلقًا، تعلقت بالصلاة أم لا، وعن أبي حنيفة ومحمد: إن كان يُسمع فهو بمنزلة الكلام، وإلا فلا. قال ابن بَطّال: والقول الأول أولى، وليس في النفخ من النطق بالهمزة والفاء، أكثر مما في البصاق من النطق بالتاء والفاء. قال: وقد اتفقوا على جواز البصاق في الصلاة،