مَلَكان يناديان، يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين "يا أيها الناس هلموا إلى ربكم، إنَّ ما قَلَّ وكفى خيرٌ مما كثر وألهى، ولا غربت شمسه إلا وبجنبتيها مَلَكان يناديان" فذكر مثل حديث أبي هريرة. والجَنْبَة بسكون النون الناحية. وقوله:"خلفًا" أي عوضًا.
وقوله:"أعطِ ممسكًا تلفًا" التعبير بالعطية في هذا للمشاكلة، لأن التلف ليس بعطية، وأفاد حديث أبي هريرة أن الكلام المذكور موزع بينهما، فنسب إليهما في حديث أبي الدرداء نسبة المجموع إلى المجموع. وتضمنت الآية الوعد بالتيّسير لمن ينفق في وجوه البر، والوعيد بالتعسير لعكسه، والتيسير المذكور أعم من أن يكون لأحوال الدنيا، ولأحوال الآخرة، وكذلك دعاء المَلَك بالخَلَف، يحتمل الأمرين. وأما الدعاء بالتلف، فيحتمل تلف المال بعينه، أو تلف نفس صاحب المال، أو المراد به فوات أعمال البِر بالتشاغل بغيرها.
قال النّوويّ: الإنفاق الممدوح ما كان في الطاعات، وعلى العيال والضيفان أو التطوعات. قال القرطبي: وهو يعم الواجبات والمندوبات، لكن الممسك عن المندوبات لا يستحق هذا الدعاء، أَلاَّ يغلب عليه البخل المذموم، بحيث لا تطيب نفسه بإخراج الحقال في عليه، ولو أخرجه، وقد مرّت الإشارة إلى ذلك في قوله في حديث أبي موسى "طيبة بها نفسه" في هذا الحديث أنه موافق لقوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} وقوله: يا ابن آدم "أنفقْ، أنفقْ عليك" وفيه دعاء الملائكة، ومعلوم أنه مستجاب بدليل، قوله:"فإن مَنْ وافق تأمينه تامين الملائكة غُفِر له ما تقدم من ذنبه".
[رجاله ستة]
مرّ منهم إسماعيل بن أبي أوَيس في الخامس عشر من الإيمان، ومرّ أخوه أبو بكر في الحادي والستين من العلم، ومرّ سليمان بن بلال وأبو هريرة في الثاني من الإيمان، والباقي اثنان: الأول معاوية بن أبي مُزَرِّد، بضم الميم وفتح الزاي وكسر الراء مشددة، واسمه عبد الرحمن بن يسار المَدَنِيّ، مولى بني هاشم، ذكره ابن حِبّان في الثقات.
وقال ابن مُعين: صالح، وقال أبو زرعة وأبو حاتم: لا بأس به، روى عن أبيه وعمه سعيد أبي الحُباب، ويزيد بن رَومان وغيرهم. وروى عنه يزيد بن الهاد، وهو من أقرانه، وسليمان بن بلال وابن المبارك وغيرهم.
الثاني: أبو الحُباب سعيد بن يسار، عم الأول، المدنيّ، مولى ميمونة، وقيل: مولى شُقران، وقيل: مولى الحسن بن عليّ، وقيل: مولى بني النجّار. والصحيح أنه غير سعيد بن مُرجانة. قال ابن مُعين وأبو زرعة والنَّسائيّ: ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. وقال العجليّ: مدنيّ ثقة، وقال ابن عبد البر: يختلفون في توثيقه.
روى عن أبي هريرة وعائشة وابن عباس، وروى عنه سعيد المَقْبَرِيّ، وابن أخيه معاوية،