الصلاة والسلام عن الصلاة في الأوقات، فوجب استثناء ذلك من النهي.
قلت: الحديث لا يدل على استئناء سوى ركعتي الطواف، ولأجل ذلك استثنتهما الحنابلة، مستدلين بهذا الحديث. ولعل من لم يستثنهما لم يتحقق عنده تأخر الحديث عن النهي، وقد مرَّ عن صاحب الفتح أن في حمل النهي على التنزيه أو التحريم قولين، وصحح في "الروضة" و"شرح المذهب" التحريم، وهو ظاهر النهي في قوله:"لا تصلوا"، أو النفي في قوله:"لا صلاة"، لأنه خبر معناه النهي. وقد نص الشافعى على هذا في الرسالة. وصحح النوويّ في تحقيقه أنه للتنزيه.
وهل تنعقد لو فعلها أو باطلة؟ صحح في "الروضة"، كالرافعي بطلانها، وظاهره أنها باطلة، ولو قلنا بأنه للتنزيه كما صرح به النووي في "شرح الوسيط" كابن الصلاح، واستشكله الأسنوي بأنه كيف يباح الإقدام على ما لا ينعقد وهو تلاعب ولا إشكال فيه، لأن نهي التنزيه إذا رجع إلى نفس الصلاة كان كنهي التحريم كما هو مقرر في الأصول، وحاصله أن المكروه لا يدخل تحت مطلق الأمر، وإلا يلزم أن يكون الشيء مطلوبًا منهيًا، ولا يصح إلا ما كان مطلوبًا، وقد مرَّ عن المالكية أن القطع مطلوب وجويًا في الوقت المحرم، وندبًا في المكروه، وظاهر الطلب ولو بعد ركعة، وأما بعد تمام الركعتين فلا يقطع لخفة الأمر بالسلام، ولو لم يقطع وتمادى كانت منعقدة، لأن النهي عن الصلاة في الأوقات المذكورة لا لذات الوقت، ولا لمعنى في ذات العبادة يمنع من انعقاده، بل لمعنى خارج عن الذات، فلا يمنع الانعقاد، كالصلاة في الأرض المغصوبة، بخلاف ما لو كان النهي لمعنى في ذات العبادة، أو لذات الوقت، أو اليوم، كالنهي عن صوم زمن الحيض والليل، وصوم يوم العيد، فيمنع من انعقادها، فإن النهي عن صوم يوم العيد لذات اليوم، وهو الإعراض عن ضيافة الله تعالى، كذا قيل. وفيه بحث طويل في الأصول.
[رجاله ستة]
الأول: محمد بن سلام البِيكنديّ، والثاني: عبدة بن سليمان، وقد مرا في