تضييع حق الزوج والتبرج، وما ينشأ منهن من الصياح ونحو ذلك، فقد يقال: إذا أُمِن جميعُ ذلك فلا مانع من الإِذن, لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء.
وفرق قوم بين قواعد النساء وشبابهن، وبين أن ينفردنَ بالزيارة أو يخالطن الرجال، فقال القرطبيّ: أما الشَّواب فحرام عليهن الخروج، وأما القواعد فمباح لهن ذلك، وجائز ذلك لجميعهن إذا انفردنَ بالخروج عن الرجال.
[الحديث الرابع والأربعون]
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي. قَالَتْ إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي، وَلَمْ تَعْرِفْهُ. فَقِيلَ لَهَا إِنَّهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-. فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ لَمْ أَعْرِفْكَ. فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى.
هذا الحديث قد مرَّ في باب قول الرجل للمرأة عند القبر: اصبري، بهذا السند والمتن، ومرَّ الكلام هناك على ما يتعلق بمعانيه مستوفى، واستدل به هنا على جواز زيارة القبور، سواء كان الزائر رجلًا أو امرأة كما مرَّ، وسواء كان المزور مسلمًا أو كافرًا، لعدم الاستفصال في ذلك.
قال النوويّ: وبالجواز قطع الجمهور، وقال صاحب الحاوي، أي الماوَرْدِيّ: لا تجوز زيارة قبر الكافر، وهو غلط، وحجة الماوردي قوله تعالى:{وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} قال في "الفتح": وفي الاستدلال بذلك نظرٌ لا يخفى. قلت: الظاهر ما قاله الماوَرْدِيّ من عدم جواز زيارة قبر الكافر، لما في زيارته من توهين عقيدة عوامّ المسلمين، وتعظيم محالّ الكفار، وتقويتهم على ضلالهم، ولأن محل قبر الكافر حفرة من حفر النار، كما في الحديث الصحيح، فكيف يؤمر بزيارة حُفر النار؟. وقد أمر عليه الصلاة والسلام بعدم دخول محالّ العذاب، وقبر الكافر من محالّ العذاب كتابًا وسنة واجماعًا. فما قاله الماورديّ متعين، واستدلاله واضح في محله.
وقال ابن حبيب: لا بأس بزيارة القبور والجلوس إليها والسلام عليها عند المرور بها، وقد فعل ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسئل مالك عن زيارة القبور فقال:"كان نهى عنه، ثم أذن فيه، فلو فعل ذلك إنسان، ولم يقل إلا خيرًا" لم أر بذلك بأسًا.
وفي "التوضيح" أجمعت الأمة على زيارة قبر نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، وكان ابن عمر إذا قدم من سفر أتى قبره المكرم فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه. ومعنى النهي عن زيارة القبور إنما كان في أول الإِسلام عند قربهم