قوله:"أن يقيم الرجل أخاه" أي: نهى عن إقامة الرجل أخاه (فأن) مصدرية. وقوله:"أخاه" لا مفهوم له، بل ذكر لمزيد التنفير عن ذلك لفتحة؛ لأنه إن فعله من جهة الكبر كان قبيحًا، وإن فعله من جهة الأثرة كان أقبح.
قلت: المراد بأخاه إخوة الإيمان، فلا يحتاج لما ذكر ويكون مفهومه جواز إقامة الكافر ونحوه كما يأتي. وفي نسخة لأبوي ذرٍّ والوقت:"أن يقيم الرجلُ الرجلَ" وقد أخرجه مسلم عن عبيد الله بن عمر بلفظ: "لا يقيم الرجلُ الرجلَ من مقعده ثم يجلس فيه".
وقوله:"ويجلسَ فيه" بالنصب عطفًا على "أن يقيم" أي: (وأن يجلسَ). والمعنى أن كل واحد منهى عنه وظاهر النهي التحريم، فلا يصرف عنه إلا بدليل، فلا يجوز أن يقيم أحدًا من مكانه ويجلس فيه؛ لأن من سبق إلى مباح فهو أحق به. وقيل: النهي للأدب إذ الذي يجب للعالم أن يليه أهل الفهم والنهى.
واحتج الحامل على ظاهره بالحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة رفعه:"إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به" قالوا: فلما كان أحق به بعد رجوعه ثبت أنه حقه قبل أن يقوم، ويتأيد ذلك بفعل ابن عمر الراوي للحديث وهو أعلم بالمراد منه فقد روى البخاري عنه في "الأدب المفرد" بلفظ: "وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه". وأخرجه البخاري في "الاستئذان". وأخرجه مسلم عن ابن عمر، وورد مرفوعًا عن ابن عمر أخرجه أبو داود عنه قال:"جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام له رجلٌ من مجلسه، فذهب ليجلس فنهاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
وله أيضًا:"عن سعيد بن أبي الحسن جاءنا أبو بكرة فقام له رجلٌ من مجلسه فأبى أنْ يجلس فيه وقال: إن النبي نهى عن هذا"، وأخرجه الحاكم وصححه من هذا الوجه لكن لفظه كلفظ ابن عمر الذي في "الصحيح" وهو: وكان ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مجلسه ثم يجلس مكانه، فكأن أبا بكرة حمل النهي على المعنى الأعم وأجاب من حمله على الأدب بأن الموضع في الأصل