الحاصل في قلب كل واحد منهم لا يجوز عليه النقصان، وتجوز عليه الزيادة بزيادة العلم والمعاينة، وبالجملة فحقيقة التصديق واحدة لا تقبل الزيادة والنقصان، فليس المراد من هذه المقادير الإيمان الذي يُعبر به عن التصديق والإقرار، بل المراد به ما يوجد في قلوب المؤمنين من ثمرة الإيمان، وهو على وجهين: أحدهما: ازدياد اليقين وطمأنينة النفس؛ لأن تضافر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لعدمه، والثاني: أن يرادَ العمل، وأن الإيمان يزيد وينقص بالعمل، وينصر هذا الوجه قوله في حديث أبي سعيد:"لم يعمَلُوا خيرًا قطُّ" فإن قيل: التصديق القلبيُّ كافٍ في الخروج، إذ المؤمن لا يَخْلُدُ في النار، وأما قوله لا إله إلا الله فلإجراء أحكام الدنيا عليه، فما وجه الجمع بينهما؟ أُجيب بأن المسألة مختَلَفٌ فيها، فقال جماعة: لا يكفي مجرد التصديق، بل لابد من القول والعمل أيضًا، وعليه البُخاري، أو المراد بالخروج هو بحسب حكمنا به، أي الحكم بالخروج لمن كان في قلبه إيمان ضامًّا إليه عنوانه الذي يدُلُّ عليه، إذ الكلمة هي شِعار الإيمان في الدنيا، وعليه مدار الأحكام، فلابد منهما حتى يَصِحَّ الحكم بالخروج.
وما ذكره في الحديث من ذكر الشَّعيرة والبُرة والذَّرة هو من باب الترقي في الحكم، وإن كان من باب التنزل.
ومرت مباحث الحديث في باب تفاضل أهل الإيمان، وستأتي إن شاء الله تعالى زيادة لذلك عند حديث الشفاعة الطويل في الرقاق.
[رجاله أربعة]
الأول: مسلم بن إبراهيم أبو عَمْرو البَصْرِيّ الأزْدِي مولاهم الفراهيدي.
قال ابن مَعين: ثقة صدوق. وقال ابن سَعْد: كان ثقةً كثير الحديث. وقال ابن حِبّان في "الثقات": كان من المتقنين. وقال ابن قاء: بصريّ صالح. وكان أتى عليه نيّف وثمانون سنة. وقال العِجْليّ: كان ثقةً عمي