قال: ومما لا رجوع فيه مطلقًا الصدقةُ يراد بها ثواب الآخرة، وقد إستشكل ذكر عمر مع ما فيه من إذاعة عمل البر، وكتمانه أرجح، وأجيب بأنه تعارض عنده المصلحتان: الكتمان وتبليغ الحكم الشرعي، فرجح الثاني فعمل به، وتعقب بأنه كان يمكنه أن يقول: رجل على فرس مثلًا، ولا يقول: حملت، فيجمع بين المصلحتين. والظاهر أن محل رجحان الكتمان إنما هو قبل الفعل وعنده، وأما بعد وقوعه، فلعل الذي أُعطيه أَذاع ذلك، فانتفى الكتمان. ويضاف إليه أن في إضافته ذلك إلى نفسه تأكيدًا لصحة الحكم المذكور، لأن الذي تقع له القصة أجدر بضبطها ممن ليس عنده إلا وقوعها بحضوره، فلما أمِن ما يخشى من الإعلان بالقصد، صرّح بإضافة الحكم إلى نفسه. ويحتمل أن يكون محل ترجيح الكتمان لمن يخشى على نفسه من الإعلان العجب والرياء، أما مَنْ أمِنَ مِنْ ذلك، كعمر، فلا.
وفي الحديث كراهة الرجوع في الصدقة، وفضل الحمل في سبيل الله، والإِعانة على الغزو بكل شيء، وأن الحمل في سبيل الله تمليك، وأن للمحمول بيعه، والانتفاع بثمنه.
[رجاله خمسة]
مرَّ منهم عبد الله بن يوسف ومالك في الثاني من بدء الوحي، ومرّ عمر في الأول منه، ومرّ زيد بن أسلم في الثاني والعشرين من الإيمان. والباقي أسلم العَدوي، مولاهم، أبو خالد. ويقال: أبو زيد. قيل: إنه حَبَشيّ، وقيل: إنه من سَبي عَين التمر. قال ابن إسحاق: بعث أبو بكر عمر سنة إحدى عشرة على إقامة الحج، فاشترى فيها أسلم مولاه. قال يعقوب بن شَيبة: كان ثقة، وهو من جلَّة موالي عمر، وكان يقدمه. وقال العجليّ: مدنيّ ثقة من كبار التابعين، وقال أبو زرعة: ثقة، أدرك زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروى عن أبي بكر ومولاه عمر، وعثمان وابن عمر وغيرهم. وروى عنه ابنه زيد والقاسم بن محمد، ونافع مولى ابن عمر وغيرهم. مات سنة ثمانين، وهو ابن مئة سنة وأربع عشرة. والظاهر أنه مات قبل الثمانين، لأنه صلى عليه مروان، ومروان مات سنة أربع وستين.
أخرجه البخاريّ أيضًا في الهبة والجهاد، ومسلم في الفرائض والنَّسائي في الزكاة، وابن ماجه في الأحكام. ثم قال المصنف: