في أن الخطبتين بدل من الركعتين، وبه صرّح الحنابلة وعزوه لنص إمامهم أو هي صلاة على حيالها لقول عمر -رضي الله تعالى عنه-: "الجمعةُ ركعتانِ تمامٌ غيرُ قصر على لسانِ نبيِّكم -صلى الله عليه وسلم- وقد خابَ مَنْ افترى" رواه أحمد وغيره وهو حديث حسن كما قاله في "المجموع"، فعلى الأول يحرم لا على الثاني، ومن ثم أطلق من أطلق منهم إباحة الكلام ولو كان به صمم أو بُعد عن الإِمام بحيث لا يسمع.
وقال المالكية: يحرم عليه أيضًا لعموم وجوب الإنصات، ولما روي عن عثمان -رضي الله تعالى عنه-: "مَنْ كان قريبًا استمع وأنصت، ومَنْ كان بعيدًا أنصت". وقال الحنفية: الأحوط السكوت. واختلف في وقت الإنصات فعند مالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن والأوزاعي والثوري عند ابتداء الخطبة.
واستدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام: "خروجُ الإمام يقطعُ الصلاةَ وكلامُهُ يقطعُ الكلامَ" وعند أبي حنيفة خروج الإِمام يقطع الكلام والصلاة جميعًا لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث الباب: "فإذا خرج الإِمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر" والحديث إذا خرج الإِمام لا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمام أخرجه الطبراني عن ابن عمر، وهذا ضعيف.
وأما الكلام بعد الخطبة وفي جلوسه بينهما وللداخل في أثنائها ما لم يجلس، فعند الحنابلة والشافعية وأبي يوسف يجوز من غير كراهة. وقال المالكية: يحرم بينهما لا في جلوسه قبل الشروع فيها ولو سلم داخل على مستمع الخطبة وجب الرد عليه بناء على أن الإنصات سُنّة. وصرّح في "المجموع" وغيره مع ذلك بكراهة السلام، ونقلها عن النص وغيره لكن إذا قلنا لا يشرع السلام فكيف يجب الرد؟
وعند المالكية قال في "المدونة": لا يسلم الداخل وإن سلم فلا يرد عليه؛ لأنه سكوت واجب فلا يقطع بسلام ولا برده كالسكوت في الصلاة، وكذا قال الحنفية.
قلت: عند المالكية يكره الرد بعد تمام الخطبة مع بقاء المسلم وحاصل ما يكره عندهم فيه السلام والرد وما يطلب جمعه بعضهم بقوله:
على المؤذنِ مقيم والملبّ ... وواطىءٍ وسامعٍ لمن خَطَبْ
والقاضي للحاجةِ يكرهُ السلامْ ... كردِّ الآخرين لو بعد التمامْ
وردُّ الاولينِ شرعًا يلزمُ ... إن تمّموا وبقي المسلّم
وهو على غيرهم استنانُ ... إلا لذي البدع فالهجرانُ
ولو مصليًا وبالإشارةِ ... ردوا ولا كل كغَيرِ السُّنَّةِ
[رجاله خمسة]
قد مرّوا إلا الأغر: مرّ آدم بن أبي إياس في الثالث من "الإيمان"، وأبو هريرة في الثاني منه،