أشار بهذه الترجمة إلى أنه، -صلى الله عليه وسلم-، لم يكن يداوم عليها، وبذلك احتج الأئمة على عدم وجوبها، وجملوا الأمر الوارد بذلك في حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره على الاستحباب، وقد تقدم في أول أبواب الوتر في حديث ابن عباس، أن اضطجاعه، -صلى الله عليه وسلم-، وقع بعد الوتر قبل صلاة الفجر، ولا يعارض ذلك حديث عائشة المذكور في هذا الباب؛ لأن المراد بحديث ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام نام بين صلاة الليل وصلاة الفجر، وغايته أنه تلك الليلة لم يضطجع بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح، فيستفاد منه عدم الوجوب أيضًا.
وأما ما رواه مسلم عن عائشة من أنه، -صلى الله عليه وسلم-، اضطجع بعد الوتر، فقد خالف مالكًا الراوي له عن الزُّهريّ أصحابَ الزهريّ عن عروة، فذكروا الاضطجاع بعد الفجر، وهو المحفوظ، ولم يصب من احتج به على ترك استحباب الاضطجاع، قاله في "الفتح". قلت: هذا كله انتصار لمذهبه، والحق أن حديث ابن عباس المذكور وحديث عائشة، في كل منهما الدلالة على أن فعلها على وجه الاستراحة لا على وجه السُّنَّة؛ لأن الأحاديث دالة على أنه يفعلها ويتركها، ويفعلها بعد الوتر وبعد الفجر، ولهذا قال مالك: إنها مكروهة إذا قصدت بها السنة؛ لأنَّ جَعْلَ ما ليس بسنةٍ سنةً خلافُ السنة. وقد مرّ الكلام على هذا في الباب المذكور آنفًا.
[الحديث الأربعون]
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا صَلَّى فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلاَّ اضْطَجَعَ حَتَّى يُؤْذَنَ بِالصَّلاَةِ.
قوله:"كان إذا صلى ركعتي الفجر" وسنذكر مستند ذلك في الباب الذي بعده، وقوله:"وإلا اضطجع"، قد مرّ الكلام على هذا عند حديث عائشة، آخر حديث من أبواب التقصير. وقوله:"حتى يُؤذَّن" أي: بضم أوله وفتح المعجمة الثقيلة. وللكشميهنيّ "حتى نودي" واستدل به على عدم استحباب الضجعة، وَرُدَّ بأنه لا يلزمُ من كونه ربما تركها عَدَمُ الاستحباب، بل يدل تركه لها أحيانًا على عدم الوجوب، كما تقدم أول الباب وقد مرّ البحث في ذلك.
[رجاله خمسة]
قد مرّوا، إلاَّ شيخ البخاريّ، مرّ سفيان بن عُيينة في الأول من بدء الوحي، وأبو سلمة في