بصاحبه، وقدمه على اليد لأن إيذاءه أكثر وقوعًا وأشد نكاية، ولله دَرُّ القائل:
جِرَاحَاتُ السِّنانِ لها الْتئامٌ ... ولا يَلْتَامُ ما جَرَحَ الَّلسانُ
لكن يمكن أن تشاركه في ذلك اليد بالكتابة، وإن أثرها في ذلك لعظيم، وخص اليد مع أن الفعل قد يحْصُل بغيرها لأن سلطنة الأفعال إنما تظْهر بها، لأن بها البطش والقطع، ومن ثمَّ غُلِّبت، فقيل: هذا مما عملت أيديهم، وإن كان متعذر الوقوع بها، وتدخُل فيها اليد المعنوية كالاستيلاء على حق الغير من غير حق، ويستثنى من ذلك شرعًا تعاطي الضرب باليد في إقامة الحدود والتعازير على المسلم المستحق لذلك.
وقوله:"والمهاجرُ من هَجَرَ ما نهى الله عنه" أي: المهاجر حقيقة من تَرَكَ ما نهى الله عنه، وهو بمعنى الهاجِر، وإن كان لفظ المُفِاعِل يقتضي وقوع فعل من اثنين، لكنه هنا للواحد، كالمسافر، ويُحْتَمل أن يكون على بابه، لأن من لازِم كونه هاجرًا وطنه مثلًا أنه مهجور من وطنه، وهذه الهجرة ضربان ظاهرة وباطنة، فالباطنة ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء، والشيطان، والظاهرة الفِرار بالدّين من الفتن، كأن المهاجرين خُوطبوا بذلك لئلا يَتَّكِلوا على مجرد الانتقال من دارهم، حتى يمتثلوا أوامر الشرع ونواهيَه، أو قيل: هذا بعد انقطاع الهجرة لَمّا فُتِحت مكة تطييبًا لقلوب من لم يُهاجر، فقيل له: حقيقة الهجرة تحصُلُ لمن هَجَر ما نهى الله عنه، فاشتملت هاتان الجملتان على جوامع من معاني الحكم والأحكام، وزاد ابن حِبّان والحاكم في "المستدرك" هنا: "والمُؤمنُ من أمِنَهُ النّاس" وكأنه اختصر هنا لتضمنه معناه.
[رجاله ستة]
الأول: آدم بن أبي إياس واسمه عبد الرحمن بن محمَّد، وقيل: اسمه ناهِية بن شُعَيب الخُرَاسَاني أبو الحسن العَسْقَلاني، نشأ ببَغداد، وارتحل في الحديث فاستوطن عَسْقلان إلى أن مات.