وقوله: ولم يغسلوا ولم يصلَّ عليهم، أي: بفتح اللام، أي: لم يفعل ذلك بنفسه ولا بأمره، ويأتي بعد بابين عن الليث بلفظ "ولم يصلِّ عليهم، ولم يغسلهم" وفي رواية أسامة المذكورة "ولم يصلّ عليهم" كما في حديث جابر وفي رواية عنه عند الشافعي والحاكم "ولم يصلّ على أحد غيره" يعني حمزة. وقال الدارقطني: هذه اللفظة غير محفوظة يعني "عن أسامة" والصواب الرواية الموافقة لحديث الليث.
وعند أحمد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تغسلوهم، فإن كل جرح أو كَلْم أوْ دَم يفوح مِسْكًا يوم القيامة، ولم يصل عليهم. والحكمة في ذلك إبقاء أثر الشهادة عليهم، والتعظيم لهم باستغنائهم عن دعاء القوم، وإنما غسلت الرسل، وصُلِّيَ عليها دون الشهداء، مع أنهم أعظم منهم منزلة, لأن منزلة الشهداء مكتسبة، فيحصل الترغيب فيها بخلاف النبوة، فإنها غير مكتسبة، فلا يطلب الترغيب فيها.
قال ابن العربيّ: فيه دليل على أن التكليف قد ارتفع بالموت، وإلا فلا يجوز أن يلصق الرجل بالرجل إلا عند انقطاع التكاليف، أو للضرورة، وفيه التفضيل بقراءة القرآن، فإذا استووا في القراءة قُدِّم أكبرهم, لأن للسن فضيلة، وفيه جواز دفن الاثنين والثلاثة وأزيد في قبر واحد. ويأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه. وفيه أن الشهيد لا يغسل، ويأتي الكلام عليه بعد باب.
[رجاله خمسة]
مرَّ منهم عبد الله بن يوسف في الثاني من بدء الوحي، والليث والزُّهريّ في الثالث منه، وجابر في الرابع منه.
والباقي عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاريّ السلميّ، أبو الخطّاب المَدنيّ، ذكره ابن حِبّان في الثقات، وقال ابن سعد: كان ثقة، وهو أكثر حديثًا من أخيه. روى عن أبيه وأخيه عبد الله وجابر وأبي قتادة وعائشة. ورى عنه ابنه كعب وأبو أمامة بن سَهيل بن حُنيف، وهو أكبر منه، والزُّهريُّ وغيرهم. وذكره العسكريُّ فيمن ولد على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يرد عنه شيئًا. مات في خلافة سُليمان بن عبد الملك. وأما قول الواقديّ أنه مات في خلافة هِشام، فذلك عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب.