كان أتم مما صار إليه بعدها، ثم كان في زمن الشيخين أتم مما صار إليه بعدهما، وكان ذلك صدر من أبي الدَّرْدَاء في آخر عمره، وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان. قال في "الفتح" فيا ليت شعري إذا كان ذلك العصر الفاضل بالصفة المذكورة عند أبي الدَّرْداء، فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات إلى هذا الزمان؟ قلت: قال ابن حجر هذا، وكان في القرن الثامن والإِسلام ممتد الأطراف والبلاد ممتلئة بالعلماء وعليها أمراء المؤمنين، فما يقوله صار في زمن لا يرى فيه إلا كافرًا صريحًا أو ملحدًا تصريحًا؟
ونبه الزَّيْنُ بن المُنِير على مناسبة حديث أبي الدَّرْدَاء هذا للترجمة، فقال: تدخل صلاة الفجر في قوله "يصلُّون جميعًا" وهي أخص بذلك من باقي الصلوات، وذكر ابن رَشِيد نحوه، وزاد أن استشهاد أبي هُريْرَةَ في الحديث الأول بقوله تعالى:{إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}[الإسراء: ٧٨] يشير إلى أن الاهتمام بها آكد. وفي هذا الحديث جواز الغضب عند تغيير شيء من أمور الدين، وانكار المنكر بإظهار الغضب، إذا لم يستطع أكثر منه، والقسم على الخبر لتأكيده في نفس السامع.
[رجاله ستة]
الأول: عُمَر بن حَفْصٍ.
والثاني: أبوه حَفْص، وقد مرا في الثاني عشر من الغُسل، ومر الأَعْمَشُ في الخامس والعشرين من الإيمان، ومرَّ سالم بن أبي الجَعْد في السابع من الوضوء ومرَّ أبو الدَّرْداء في باب "من حمل معه الماء لطهوره" بعد السادس عشر منه.
والسادس: أم الدَّرْداء، واسمها خَيْرَة بنت أبي حَدْرَد، أم الدَّرْداء الكُبرى، واسم أبي حَدْرَد عبد، وأم الدرداء الصغرى اسمها هُجَيْمَة، وقيل جُهَيمة، قال أبو عمر: كانت أم الدرداء الكبرى من فضلى النساء، وعقلائهن وذوات الرأي فيهن، مع العبادة والنُّسُك، توفيت قبل أبي الدرداء، وذلك بالشام في خلافة عثمان. وكانت حفظت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد رُوي عن مَيْمون بن مِهْران أنه قال: