وأراد المؤلف بإيراد هذا التعليق بيان سماع يشعر بن يَسَار له من أنس، ولفظه قال عُقْبَة بن عُبَيد الطائيّ: حدثني يشعر بن يَسَار قال: جاء أنس إلى المدينة، فقلنا: ما أنكرت منا من عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: ما أنكرت منكم شيئًا غير أنكم لا تقيمون الصفوف. وقد وصل هذا التعليق أحمد في مسنده عن يحيي القَطّان .. الخ، وبشير وأنس مرَّ ذكر محلهما في الذي قبله، وعُقْبَة هو ابن عبيد أخو سَعِيد بن عُبَيد راوي الإسناد الذي قبله، يُكنى أبا الرَّحّال، بفتح الراء وتشديد الحاء المهملة، وليس له في البخاريّ إلا هذا الموضع المعلق، كوفيّ. قال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: هو ثقة؟ قال: كم يروي؟ إنما يروي حديثين أو ثلاثة، روى عن أَنَس وبشير بن يَسار، وروى عنه أخوه سَعيد بن عُبَيد وعُقبَة بن خالد ويحيى القَطّان. ثم قال المصنف:
[باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف]
المراد بهذا المبالغة في تعديل الصف وسد خَلَله، وقد ورد الأمر بسد خَلَل الصف والترغيب فيبما في أحاديث كثيرة جمعها حديث ابن عمر المتقدم في باب تسوية الصفوف، عند قوله "لَتُسَوُّنَّ صُفوفَكم" ومنها ما رواه أبو داود عن محمد بن مُسْلِم بن السّائِب قال: صَلّيت إلى جنب أنس بن مالك يومًا، فقال: هل تدري لِمَ صُنع هذا العود؟ فقلت: لا والله، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضع يده عليه، ثم يقول: استووا وعدلوا صفوفَكم. ثم قال: كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه، ثم التفت فقال: اعتدلوا صووا صفوفكم، ثم أخذه بيساره، وقال: اعتدلوا سووا صفوفكم، وفي لفظ "رصّوا صُفُوفَكم"، وفي لفظ "أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه", فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر".
ومنها ما رواه ابن حِبّان في صحيحه عن البَرَاء بن عَازِب قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخلل الصف من ناحيته، يمسح صدورنا ومنكبنا، ويقول: "لا تختلفوا فتختلفَ قلوبكم" وفي لفظ "فَيَمْسَحُ عواتقنا وصدورنا". وفي لفظ كان يأتي من ناحية الصف إلى ناحيته القصوى يسوي بين صدور القوم ومناكبهم إلى غير ذلك من الأحاديث.
ثم قال: وقال النُّعمان بن بَشِير: رأيت الرجل منا يُلزقُ كَعْبه بكعبِ صاحبهِ.
وهذا طرف من الحديث المار عند قوله "أوَ لَيُخالِفَن الله بين قلوبكم" في باب تسوية الصفوف، واستدل به على أن المراد بالكَعْب في آية الوضوء العظم النَّاتىء في جانبي الرجل، كما مرَّ في باب مسح الرأس كله، وهذا التعليق طرف من حديث رواه أبو داود وَصَحَّحه ابن خُزَيْمَة، والنُّعمان مرَّ في الخامس والأربعين من الإيمان.