للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب ما جاء في القبلة ومن لم ير الإعادة على من سها فصلى إلى غير القبلة]

أي هذا باب في بيان ما جاء في أمر القبلة، وهو بخلاف ما تقدم قبل الباب، فإن ذلك في حكم التوجه إلى القبلة، وهذا في حكم من سها فصلى إلى غير القبلة، وأصل هذه المسألة في المجتهد في القبلة إذا صلى به فتبين الخطأ في الجهة في الوقت أو بعده. فقال أبو حنيفة وإبراهيم النخعيّ والثوريّ: لا يجب عليه القضاء، وكذلك قال مالك، إلا أنه تندب عنده الإعادة في الوقت؛ لأن جهة تحريه هي التي خوطب باستقبالها حالة الاشتباه، فأتى بالواجب عليه، فلا تجب عليه الإعادة.

وقال الشافعيّ: يعيد إذا تبين الخطأ. وقال أبو الحسن المراديّ من الحنابلة في "تنقيح المقنع" ومن صلى بالاجتهاد سفرًا فأخطأ لم يُعد، فإن تبين الخطأ في الصلاة وجب استئنافها عند الشافعية والمالكية إذا كان الانحراف كثيرًا بأنْ استدبر القبلة وكان بصيرًا، وإن كان أعمى مطلقًا أو بصيرًا منحرفًا يسيرًا استدار إلى القبلة ويستدير إلى القبلة ويبني على ما مضى عند الحنفية، وهو قول للشافعية, لأن أهل قُباء لما بلغهم نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة استداروا في الصلاة إليها.

واستدل من لم يوجب الإعادة بما رواه الترمذيّ وابن ماجه عن عامر بن ربيعة قال: "كنا في سفر مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فغيمت السماء، وأشكلت علينا القبلة، فصلينا وأعلمنا، فلما طلعت الشمس إذا نحن قد صلينا إلى غير القبلة، فذكرنا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الله تعالى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] ". وروى البيهقيّ في المعرفة عن جابر أنهم صلوا في ليلة مظلمة كل رجل منهم على حياله، فذكروا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "مضت صلاتكم" ونزلت: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] لكن قال التِّرمذيّ في حديثه: إسناده ليس بذاك. وقال البيهقيّ: حديث جابر ضعيف، وأخرج الحاكم حديث التِّرمذيّ وصححه.

<<  <  ج: ص:  >  >>