قوله:"مَنْ مرّ" في رواية التِّرمِذِيّ أخبرني "مَنْ رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-". وقوله:"قبر مَنبوذ" بفتح الميم اسم مفعول من نبذ أي: على قبر منفرد عن القبور، وروى "على قبر منبوذ" بإضافة قبر إلى منبوذ. وفسروه باللقيط والرواية الأولى أصح؛ لأن في بعض الألفاظ أتى "قَبرًا منبوذًا" وفي رواية الترمذيّ "ورأى قبرًا منتبذًا فصف أصحابه". وهذا الميت المقبور وقع في شرح الشيخ سراج الدين عمر بن الملقن أنه الميت المذكور في حديث أبي هريرة الذي كان يقم المسجد وهو وهم منه لتغير القضيتين، فقد تقدم أن الصحيح في الأول أنها امرأة وأنها أُم محجن، وأما هذا فهو رجل واسمه طلحة بن البراء بن عمير البلوي حليف الأنصار، "فقد روى أبو داود حديثه مختصرًا والطبراني عن حسين بن وحوح الأنصاري لجعفر أن طلحة بن البراء مرضَ فأتاهُ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني لا أرى طلحةَ إلا قد حدثَ فيه الموتُ قآذنوني به وعجلوا، فلم يبلغ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بني سالَم بن عوفٍ حتى توفيَ وكان قال لأهلِهِ لما دخلَ الليلُ إذا متُّ فادفنوني، ولا تدعوا رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فإني أخافُ عليه يهودًا أن يصابَ بسببي فَأُخبَر النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- حينَ أصبحَ فجاءَ حتى وقفَ على قبرِهِ فصفَ الناسُ معَهُ ثم رفعَ يديهِ فقال: اللَّهُمَّ القَ طلحةَ يضحكُ إليكَ وتضحكُ له". وقد اخْتُلفَ في الوقت الذي صلّى فيه -صلى الله عليه وسلم- ففي "الأوسط" للطبراني عن إسماعيل بن زكرياء أنه صلّى عليه بعد دفنه بليلتين وقال: إن إسماعيل تفرد بذلك. ورواه الدارقطني بعد موته بثلاث، وروي بعد شهر. وهذه روايات شاذة وسياق الطرق الصحيحة يدل على أنه صلّى عليه في صبيحة دفنه.
وقوله:"وصفوا عليه" أي: على القبر. وقوله:"فقلت: يا با عمرو" أصله يا أبا عمرو حذفت الهمزة للتخفيف، وأبو عمرو كنية الشعبي. وقوله:"قال ابن عباس" أي: قال: حدّثني ابن عباس، وفي الحديث جواز الصلاة على القبر. قال ابن المنذر، قال بمشروعيته الجمهور ومنعه النخعي ومالك وأبو حنيفة، وعنهم إن دُفن قبل أن يصلى عليه شرع وإلا فلا وهل يشترط في جواز الصلاة على قبره كونه مدفونًا بعد الغُسل؟ الصحيح أنه يشترط. وروي عن محمد أنه لا يشترط، وإذا دفنوه بعد الصلاة عليه ثم تذكروا أنهم لم يغسلوه، فإن لم يهيلوا التراب عليه يُخرج ويُغسل ويُصلى عليه