وكان مكثه بمكة بعد أن بعثه الله تعالى ثلاث عشرة سنة، وقيل: عشر سنين، وقيل: خمس عشرة سنة، والأول أشهر قال صرمة:
ثَوى في قُريشٍ بِضْعَ عشرة حِجَةً ... يُذَكِّرُ لَو يلْقى صَديقًا مُوافيًا
[قدومه المدينة]
وكان عند هجرته ابن ثلاث وخمسين سنة، وقدم المدينة يوم الاثنين على الصحيح قريبًا من نصف النهار في الضحى الأعلى، لاثنتي عشرة ليلة خَلَتْ من ربيع الأول، وكان عامر بن فُهيرة مولى أبي بكر الصديق يرعى عليهما مِنْحَةً مِن غنم، فيُريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء لياليهما في الغار، فيبيتان على رِسْلٍ -وهو لبنٍ- منحتهما، وكان أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، استأجر عبد الله بن الأُرَيْقط دليلًا، وهو على دين كفار قريش، ودفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صُبْحَ ثلاث، ولم يُعرف له إسلام، وانطلق معهم الدليل هذا وعامر بن فُهيرة، وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت عندهما لياليهما في الغار، ويأتيهما بما تتحدث به كفار قريش، ويُدْلِجُ من عندهما بِسَحَرٍ، ويكون كبائت بمكة، ونزلا عند قدومهما المدينة على أبي قَيْس كُلثوم بن الهِدْم بن امرئ القيس في حديث عمرو بن عوف، فأقاما عنده أربعة أيام، وقيل: بل كان نزوله في بني عمرو بن عوف على أبي خَيْثَمة، والأول أكثر، فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين، والثلاثاء، والخميس، وأسس مسجدهم، وخرج يوم الجمعة منتقلًا إلى المدينة، حتى مر ببني سالم لوقت الجمعة، فصلاها بهم في بطن الوادي، وهي أول جمعة جمعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، ثم ركب ناقته لا يحركها، ويقول: دعوها فإنها مأمورة، فمشت حتى بركت في موضع مسجده الذي أنزله الله فيه في بني النجار، فنزل عشية الجمعة سنة ثلاث وخمسين من عام الفيل، وأُرِّخَ التاريخ من مَقْدِمه