وقوله: هل ترون الاستفهام بمعنى الإنكار. والمراد من القبلة إما المقابلة وهي المواجهة أي: لا تظنوا مواجهتي هاهنا فقط، وإمّا إضمار أي: لا ترون بصري أو رؤيتي في طرف القبلة فقط، وأما أنه من باب لازم التركيب, لأن كون قبلته ثمة مستلزم لكون رؤيته أيضًا ثمة فكأنه قال: هل ترون رؤيتي هاهنا فقط؟ والله لأراكم من غيرها أيضًا. وهذا الحديث قد أخرجه في باب عظة الإِمام الناس في إتمام الصلاة من أبواب المساجد. قد استوفى الكلام عليه هناك من سائر الوجوه.
وبقي ذكر وجه المطابقة بينه وبين الترجمة هنا، وهو من حيث إن في قوله ولا خشوعكم تنبيهًا على التلبيس بالخشوع في الصلاة, لأنه لم يقل ذلك إلا وقد رأى فيهم الالتفات وعدم السكون اللذين ينافيان الخشوع، والمصلّي لا يدخل في قوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ في صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} إلا بالخشوع، ولا شك أن ترك الخشوع ينافي كمال الصلاة فيكون مستحبا.
وقد حكى النووي الإِجماع على أن الخشوع ليس بواجب. ولا يرد عليه قول القاضي حسين لجواز أن يكون بعد الإجماع السابق. أو المراد بالإجماع أنه لم يصرح أحد بوجوبه. وكلامهما في أمر يحصل من مجموع المدافعة وترك الخشوع. وهذان الجوابان أحسن مما أجاب به العيني من أن المراد مدافعة شديدة أفضت إلى خروج شيء، فإن البطلان حينئذٍ بالخروج لا بالمدافعة، وما أجاب به عن هذا لا يلتفت إليه. وفي هذا تعقب على من نسب إلى القاضي وأبي زيد أنهما قالا إن الخشوع شرطٌ في صحة الصلاة.
وقد حكاه المحب الطبري، وقال: هو محمول على أن يحصل في الصلاة لا في جميعها، والخلاف في ذلك عند الحنابلة أيضًا.
وأما قول ابن بطال، فإن قال قائل إن الخشوع فرض في الصلاة، قيل له بحسب الإِنسان أن يُقبل على صلاته بقلبه ونيته. ويريد بذلك وجه الله تعالى، ولا طاقة له بما اعترضه من الخواطر، فحاصل كلامه أن القدْر المذكور هو الذي يجب من الخشوع، وما زاد على ذلك فلا.