للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويحمل حديث ابن عمر على مال يملكه قد أدّى زكاته، فهو يحب أن يكون له ليصل به قرابته، ويستغني به عن مسألة الناس، وكان أبو ذَرٍّ يحمل الحديث على إطلاق، فلا يرى ادخار شيء أصلًا. قال ابن عبد البَرّ: وردت على أبي ذرٍّ آثار كثيرة، تدل على أنه كان يذهب إِلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش، فهو كنز يذم فاعله، وأن آية الوعيد نزلت في ذلك. وخالفه جمهور الصحابة ومَنْ بعدهم. وحملوا الوعيد على مانعي الزكاة، وأصح ما تمسكوا به حديث طلحة وغيره في قصة الأعرابيّ حيث قال: هل عليّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تَطَوَّع.

والظاهر أن ذلك كان في أول الأمر، كما مرَّ عن ابن عمر، وقد استدل ابن بطال له بقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} أي: ما فضل عن الكفاية، فكان ذلك واجبًا في أول الأمر، ثم نسخ، وفي المسند عن يَعلي بن شَدّاد بن أوس عن أبيه قال: كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه الشدة، ثم يخرج إلى قومه ثم يرخص فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا يسمع الرخصة، ويتعلق بالأمر الأول.

[رجاله ستة]

قد مرّوا إِلا خالد بن أسلم، وفيه لفظ أعرابيّ مبهم، مرَّ أحمد بن شبيب وأبوه شبيب في التاسع والثلاثين من الوضوء، ومرَّ يونس بن يزيد في متابعة بعد الرابع من بدء الوحي، ومرَّ ابن شهاب في الثالث منه، ومرَّ عبد الله بن عمر في أول الإيمان قبل ذكر حديث منه.

والخامس: خالد بن أسْلم القرشيّ العَدَويّ أخو زيد بن أسلم مولى عمر، ذكره ابن حِبّان في الثقات، وقال الدارقطني: ثقة ليس بالمكثر، له في البخاري هذا الحديث فقط، روى عن ابن عمر، وعنه أخوه زيد والزُّهريّ وغيرهم. والأعرابي السائل لابن عمر لم أر من سماه.

[لطائف إسناده]

فيه التحديث بالجمع والعنعنة، ورواته بصريان وأيْلِيّ ومصريّ ومدنيان. وشيخه من أفراده، وفيه رواية الابن عن الأب. أخرجه البخاريّ أيضًا في التفسير، والنَّسائيّ في الزكاة.

[الحديث الحادي عشر]

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ".

قوله: "أخبرني يحيى بن أبي كثير" تعقبه الدارقطني وأبو مسعود، بأن عبد الوهاب بن نَجْدة خالف إسحاق بن يزيد شيخَ البخاريّ فيه، فقال: عن شعيب عن الأوزاعيّ، حدّثني يحيى بن

<<  <  ج: ص:  >  >>