قال ابن بطال: غرضه أن يبين أن المستحب أن لا يشعر المحرم ولا يقلد إلا في ميقات بلده والذي يظهر أن غرضه الإشارة إلى رد قول مجاهد لا يشعر حتى يحرم أخرجه ابن أبي شيبة لقوله في الترجمة: من أشعر ثم أحرم ووجه الدلالة لذلك من حديث المسور قوله: حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد الهدي وأحرم فإن ظاهره البداءة بالتقليد ومن حديث عائشة.
قوله: ثم قلدها وأشعرها وما حرم عليه شيء، فإنه يدل على أن تقدم الإحرام ليس شرطًا في صحة التقليد والإشعار وأبين من ذلك لتحصيل مقصود الترجمة ما أخرجه مسلم عن ابن عباس قال صلَّى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها في سنامها الأيمن وسلت الدم وقلدها نعلين ثم ركب راحلته فلما استوت به على البيداء أهل بالحج.
ثم قال: وقال نافع: كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إذا أهدى زمن الحديبية وأشعره بذي الحليفة يطعن في شق سنامه الأيمن بالشفرة ووجهها قبل القبلة باركة قوله زمن الحديبية، وقع عند الكشميهني من المدينة، وهذا وصله مالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان إذا أهدى هديًا من المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام قلده بذي الحليفة يقلده قبل أن يشعره وذلك في مكان واحد وهو متوجه إلى القبلة يقلده بنعلين ويشعره من الشق الأيسر، ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة، ثم يدفع به، فإذا قدم غداة النحر نحوه، وعن نافع عن ابن عمر كان إذا طعن في سنام هديه وهو يشعره قال:"بسم الله والله أكبر".
وأخرج البيهقي عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يشعر بدنه من الشق الأيسر إلا أن تكون صعابًا، فإذا لم يستطع أن يدخل بينها أشعرها من الشق الأيمن، وإذا أراد أن يشعرها وجهها إلى القبلة، وتبين بهذا أن ابن عمر كان يطعن بالأيمن تارة، وفي الأيسر تارة بحسب ما يتهيأ له ذلك، فإن كانت البدنة ذللا أشعرها من الأيسر وإن كانت صعبة قرن بدنتين، ثم قام بينهما وأشعر إحداهما من الأيمن والأخرى من الأيسر وإلى الإشعار في الجانب الأيمن ذهب الشافعي وصاحبا أبي حنيفة وأحمد في رواية، وإلى الأيسر ذهب مالك وأحمد في رواية، قال في الفتح: ولم أر في حديث ابن عمر ما يدل على تقدم ذلك على إحرامه وذكر ابن عبد البر في الاستذكار عن مالك قال: لا يشعر الهدي إلا عند الإهلال يقلده ثم يشعره ثم يصلي ثم يحرم.