قوله:"تتركون المدينة" كذا للأكثر بتاء الخطاب، والمراد بذلك غير المخاطبين لكنهم من أهل البلد، أو من نسل المخاطبين، أو من نوعهم، وروى يتركون بتحتانية، ورجحه القرطبي.
وقوله:"على خير ما كانت". أي: على أحسن حال كانت عليه قبل من العمارة وكثرة الأشجار وحسنها، قال القرطبي: تبعًا لعياض، وقد وجد ذلك حيث صارت معدن الخلافة، ومقصد الناس وملجأهم وحملت إليها خيرات الأرض، وصارت من أعمر البلاد، فلما انتقلت الخلافة عنها إلى الشام ثم إلى العراق وتقلبت عليها الأعراب تعاورتها الفتن؛ وخلت من أهلها، فقصدتها عوافي الطير والسباع والعوافي جمع عافية، وهي التي تطلب أقواتها، ويقال للذكر: عاف، قال ابن الجوزي: اجتمع في العوافي شيئان أحدهما: أنها طالبة لأقواتها من قولك: عفوت فلانًا أعفو، وأنا عاف والجمع عفاة أي: أتيت أطلب معروفه، والثاني: من العفاء وهو الموضع الخالي الذي لا أنيس به، فإن الطير والوحش تقصده لأمنها على نفسها فيه، وقال النووي في "المختار": إن هذا الترك يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة، ويؤيده قصة الراعيين، فقد وقع عند مسلم بلفظ: ثم يحشر راعيان، وفي البخاري أنهما آخر من يحشر، ويؤيده ما رواه معن بن عيسى عن مالك في الموطأ، عن أبي هريرة رفعه:"لتتركن المدينة على أحسن ما كانت، حتى يدخل الذيب فيعوي على بعض سواري المسجد، أو على المنبر، قالوا: فلمن تكون ثمارها؟ قال: للعوافي الطير والسباع، ورواه جماعة من الثقات خارج "الموطأ"، ويشهد له أيضًا ما روى أحمد والحاكم وغيرهما عن محجن بن الأدرع الأسلمي قال: بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- لحاجة ثم لقيني وأنا خارج من بعض طرق المدينة فأخذ