[باب ما يذكر في الصدقة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وآله]
لم يعين الحكم لشهرة الاختلاف فيه، والنظر فيه في ثلاثة مواضع:
أولها المراد بالآل هنا بنو هاشم وبنو المطلب، على الراجح عند الشافعية. قال الشافعيّ: أشركهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في سَهم ذوي القربى، ولم يعطِ أحدًا من قبائل قريش سواهم، وتلك العطية عِوَض عُوِّضوه بدلًا عما حُرِموه من الصدقة. وعن أبي حنيفة ومالك: بنو هاشم فقط، وعن أحمد في بني المطلب روايتان، وعن المالكية فيما بين هاشم وغالب بن فِهْر قولان، فعن أَصْبَغ: منهم بنو قُصَيّ، وعن غيره بنو غالب بن فهر.
ثانيها كان يحرم على النبي -صلى الله عليه وسلم- صدقةُ الفَرْض والتطوع، كما نقل فيه غير واحد، منهم الخطابيّ، الاجماعَ، لكن حتى غير واحد عن الشافعيّ في التطوع قولًا، وكذا في رواية عن أحمد. ولفظه في رواية الميمونيّ "لا يحل للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وأهلِ بيته صدقة الفطر، وزكاة الأموال، والصدقة يصرفها الرجل على محتاج يريد بها وجه الله. أما غير ذلك فلا، أليس يقال: كل معروف صدقة؟ " قال ابن قدامة: ليس ما نقل عنه من ذلك بواضح الدلالة، وإنما أراد أن ما ليس من صدقة الأموال، كالقَرضِ والهدية وفعل المعروف، كان غير محرم. قال الماورديّ: يحرم عليه كل ما كان من الأموال متقومًا، وقال غيره: لا تحرم عليه الصدقة العامة، كمياه الآبار وكالمساجد. واختلف هل كان تحريم الصدقة من خصائصه دون الأنبياء؟ أو كلهم سواء في ذلك؟
ثالثها: هل يلتحق به آله في ذلك أم لا؟ قال ابن قدامة: لا نعلم خلافًا في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة، كذا قال. وقد نقل الطبريّ الجوازَ أيضًا عن أبي حنيفة. وقيل عنه: يجوز لهم إذا حرموا سهم ذوي القربى حكاه الطحاويّ، ونقله بعض المالكية عن الأبْهريّ منهم، وهو وجه لبعض الشافعية، وعن أبي يوسف: يحل من بعضهم لبعض، لا من غيرهم. وعند المالكية في ذلك أربعة أقوال مشهورة: الجواز، المنع، جواز التطوع دون الفرض، عكسه.
وأدلة المنع ظاهرة من حديث الباب وغيره، ولقوله تعالى {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} ولو أحلها لأنه لأوشك أن يطعنوا فيه، ولقوله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "الصدقة أوساخ الناس" كما رواه مسلم. ويؤخذ من هذا جواز التطوع دون الفرض، وهو قول أكثر الحنفية، والمصحح عند الشافعية والحنابلة، وأما عكسه فقالوا: إن الواجب حق لازم، لا يلحق بأخذه ذلة، بخلاف التطوع، ووجه التفرقة بين بني هاشم وغيرهم أن موجب المنع رفع